وأما كلامهم في آية الزمر فهذا تأويل صريح، مخالف لمنهج السلف، قال ابن جرير :( وقال بعض أهل العربية من أهل البصرة :(( ﴿ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ﴾ يقول : في قدرته نحو قوله :﴿ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ﴾ (١) أي : وما كانت لكم عليه قدرة، وليس الملك لليمين دون سائر الجسد )).
قال : وقوله : قبضته، نحو قولك : للرجل هذا في يدك، وفي قبضتك والأخبار التي ذكرناها عن رسول الله - ﷺ -، وعن أصحابه، وغيرهم تشهد على بُطُول (٢) هذا القول ) (٣).
ومن الأخبار التي ذكرها ابن جرير، وكانت شاهدة على بطلان التأويل :
عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - قال : جاء يهودي إلى النبي - ﷺ - فقال : يا محمد إن الله يمسك السماوات على إصبع، والأرضين على إصبع، والجبال على إصبع، والخلائق على إصبع ثم يقول : أنا الملك، فَضَحِكَ النبي - ﷺ - حتى بدت نواجذه وقال :( وما قدروا الله حق قدره..) (٤).
وعن ابن عباس - رضي الله عنهم - :( ما السماوات السبع، والأرضون السبع في يد الله إلا كخردلة في يد أحدكم ) (٥).
وفي حديث اليهودي ما يمنع من تفسير اليمين بالقوة، وذلك هو لفظ :( الإصبع ) فإن القوة لا إصبع لها !
- - - - -
المبحث العاشر : تحرّز ابن دريد في التفسير

(١) ٥ ) النساء : ٣٦.
(٢) ١ ) هكذا جاءت في كلام ابن جرير، وهي صيغة صحيحة.
(٣) ٢ ) انظر : جامع البيان ٢٤ / ٢٨.
(٤) ٣ ) انظر : جامع البيان ٢٤ / ٢٦. والحديث أخرجه البخاري في صحيحه ؛ كتاب : تفسير القرآن، باب : تفسير سورة الزمر [ ٦ / ٣٣ ] وغيره.
(٥) ٤ ) انظر : جامع البيان ٢٤ / ٢٥.

٩ ) [ ٧ ] قول الله - سبحانه وتعالى - :﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِن اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (١٤٣) ﴾
قال : الأمّة : القَرْن من الناس من قوله عز وجل :﴿ وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ﴾.
( جمهرة اللغة، مادة [ أ م م ] ١ / ٦٠ ؛ و الاشتقاق ٢٣٦ )
- - - - - - -
الأُمّة : من المشترك اللفظي، الذي تجيء فيه اللفظة لمعانٍ مختلفة يحددها السياق.
وقد أوّل ابن دريد الأُمّة هنا : بالقَرن من الناس ؛ وما ذَكَره في الحرف من معنى ؛ صحيحٌ يومئ إليه أصل الحرف في اللغة.
قال ابن فارس :( وأما الهمزة، والميم فأصل واحد، يتفرع منه أربعة أبواب، وهي : الأصل، والمَرجع، والجماعة، والدِّين. وهذه الأربعة متقاربة ) (١).
ويُلْحَظُ أن هذه المعاني تشترك في كونها ذات بال، ويُجْتَمَع عليها.
.....................................................................................
- - - - - - -
قال الراغب :( الأُمّة : كل جماعة يجمعهم أمرٌ ما، إما : دين واحد، أو زمان واحد أو مكان واحد، سواء كان ذلك الأمر الجامع تسخيراً، أو اختياراً ) (٢).
(١) ١ ) انظر : مقاييس اللغة ١ / ٢١.
(٢) ١ ) انظر : المفردات ١٩.

وقال الضحاك :( يعني : لا تَكْذبوا في دينكم ) (١).
وقال ابن جرير :( لا تُجَاوِزوا الحق في دينكم فتُفَرِّطوا فيه ) (٢).
ولمّا كانت حالة أهل الكتاب - اليهود والنصارى - في شأن عيسى هي مجاوزة الحد إلى الإفراط والتفريط ؛ ابتداعاً في الدين، وكذباً، وافتراءً ؛ نهاهم عن الغلو.
.....................................................................................
- - - - - - -
ومعلوم لغة أن تعدّي الحد يعتبر غلواً (٣).
قال الأزهري :( وغَلاَ في الدِّين يغْلو غُلُوّاً، إذا جاوزَ الحدَّ ) (٤).
- - - - -
(١) ٤ ) انظر : تفسير السمرقندي ١ / ٤٠٧.
(٢) ٥ ) انظر : جامع البيان ٦ / ٣٤.
(٣) ١ ) انظر : تهذيب اللغة ٨ / ١٦٧ - ١٦٩ ؛ و مقاييس اللغة ٤ / ٣٨٧ - ٣٨٨ ؛ ولسان العرب ١٥ / ١٣٢ ؛ وتاج العروس ١٠ / ٢٦٩.
(٤) ٢ ) انظر : تهذيب اللغة ٨ / ١٦٨.

ومجاهد، وابن جبير، وقتادة، والضحاك، والسدي، وابن زيد (١)، . وغيرهم (٢).
قال ابن عباس - رضي الله عنهم - :( وهي المِبْعَر ) (٣).
وقال ابن عاشور :( وهي الأكياس الشَّحمية التي تحوي الأمعاء ) (٤).
الأخرى : المفرد من :﴿ الْحَوَايَا ﴾ :
ذكر ابن دريد أن المفرد من ﴿ الْحَوَايَا ﴾ : حاوية، وحاوياء، وحوية.
وكلّ هذه الصيغ واردة في معاجم اللغة (٥).
- - - - -
(١) ١ ) انظر : تفسير ابن عباس - رضي الله عنهم - ٢١٨ ؛ وجامع البيان ٨ / ٧٥ - ٧٦ ؛ وتفسير ابن أبي حاتم ٥ / ١٤١١ وتفسير ابن كثير ٢ / ١٧٦ ؛ والدر المنثور ٣ / ٣٤٢.
(٢) ٢ ) منهم : الفراء في معاني القرآن ١ / ٢٤٥ ؛ والزجاج في معاني القرآن وإعرابه ٢ / ٣٠١ ؛ والسمرقندي في تفسيره ١ / ٥٢١ ؛ وابن أبي زمنين في تفسيره ١ / ٢٤٨ ؛ والواحدي في الوسيط ٢ / ٣٣٣ ؛ والراغب في المفردات ١٣٧ ؛ والبغوي في معالم التنزيل ٢ / ١٦٨ ؛ وابن الجوزي في تذكرة الأريب ١ / ١٧١ والبيضاوي في تفسيره ٤ / ١٦٦ ؛ والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن ٧ / ١٢٥؛ وابن عاشور في التحرير والتنوير ( القسم الأول ) من ٨ / ١٤٢.
(٣) ٣ ) انظر : تفسيره ٢١٨.
و المِبْعَر : حيث يكون البَعَر من الإبل والشاء، وقيل : الدوّارات التي في بطن الشاة. انظر: العين، للخليل الفراهيدي ٢/ ١٣٢ ؛ ولسان العرب ٤ / ٧١ - ٧٢ ؛ وعمدة الحفاظ ١٤٥.
(٤) ٤ ) انظر : التحرير والتنوير ( القسم الأول ) من ٨ / ١٤٢.
(٥) ٥ ) انظر : تهذيب اللغة ٥ / ١٩٠ ؛ والصحاح ٥ / ١٨٥٣ ؛ ولسان العرب ١٤ / ٢٠٩.

" أخراهما :﴿ ×#ح´¯"sغ ﴾ بألف وهمزة مكسورة من غير ياء اسم فاعل من طاف يطوف قرأ بها الباقون.
ومعنى القراءتين واحد (١).
- - - - -
(١) ١ ) انظر القراءتين وتوجيههما في : السبعة ٣٠١، و المبسوط ٢١٨ ؛ وإتحاف فضلاء البشر ٢٩٥ ؛ وجامع البيان ٩ ١٥٧ ؛ ومعاني القراءات ١٦٩ ؛ والتبيان، للعكبري ٢٩١. ( والقراءتان سبعيتان ).

وقد تناول أهل الغريب (١)، واللغة (٢) هذا الحرف بالبيان فقالوا في معناه : أشد الهمّ أو خشونة في النفس لما يحصل فيها من الغمّ.
آخرها : القراءات في قوله تعالى :﴿ وَحُزْنِي ﴾ :
أشار ابن دريد إلى قراءتين في هذا الحرف وهما :
.....................................................................................
- - - - - - -
" الأولى: ﴿ وَحُزْنِي ﴾ بضم الحاء، وإسكان الزاي، قرأ بها الجمهور، وهي القراءة المتواترة.
" الأخرى :( حَزَني ) بفتح الحاء والزاي، وممن قرأ بها الحسن (٣)، وهي قراءة شاذة.
- - - - -
( ٩٤ ) [ ١٢ ] قول الله - سبحانه وتعالى - :﴿ قَالَ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (٩٢) ﴾
قال : ويقال : ثرّب فلان على فلان، إذا لامه ووبخه ؛ وهو التثريب، ومنه قوله عز وجل :﴿ لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ ﴾، والله أعلم.
( الاشتقاق ٣٥٠ )
- - - - - - -
(١) ٥ ) انظر : مجاز القرآن ١ / ٣١٧ ؛ ونزهة القلوب ٢١٢ ؛ ومفردات الراغب ١١٤ ؛ وعمدة الحفاظ ١١٩ والتبيان في تفسير غريب القرآن ٢٤٨.
(٢) ٦ ) انظر : تهذيب اللغة ٤ / ٢١٢ ؛ و مقاييس اللغة ٢ / ٥٤.
(٣) ١ ) انظر : المحرر الوجيز ٩ / ٣٦٣ ؛ والبحر المحيط ٦ / ٣١٥ ؛ والدر المصون ٦ / ٥٤٨.

٢٠٢- الفروق في اللغة، تأليف : أبي هلال الحسن بن عبد الله بن سهل العسكري، ت. جمال الدين عبد الغني مدغمش، ط ١. مؤسسة الرسالة، بيروت، لبنان، سنة ١٤٢٢ هـ - ٢٠٠٢ م.
٢٠٣- فهرست ابن خير الإشبيلي، تأليف : أبي بكر محمد بن خير بن عمر بن خليفة الأموي، ت. محمد فؤاد منصور، ط ١. دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، سنة ١٤١٩ هـ - ١٩٩٨ م.
٢٠٤- الفهرست، تأليف : أبي الفرج محمد بن إسحاق ابن النديم، ط. دار المعرفة بيروت، لبنان، سنة ١٣٩٨ هـ - ١٩٧٨ م.
٢٠٥- فوات الوفيات، تأليف : محمد بن شاكر بن أحمد الكتبي، ت. علي محمد و عادل أحمد عبد الموجود ط ١. دار الكتب العلمية بيروت، لبنان، سنة ٢٠٠٠م.
٢٠٦- كتاب السبعة في القراءات، تأليف : أبي بكر أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد البغدادي ت. شوقي ضيف، ط ٢. دار المعارف، مصر، سنة ١٤٠٠هـ.
٢٠٧- كشاف القناع عن متن الإقناع، تأليف : منصور بن يونس بن إدريس البهوتي ت. هلال مصيلحي مصطفى هلال، ط. دار الفكر، بيروت، لبنان، سنة ١٤٠٢ هـ.
٢٠٨- كشف الخفاء ومزيل الإلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس، تأليف : إسماعيل ابن محمد العجلوني الجراحي، ت. أحمد القلاش، ط ٤. مؤسسة الرسالة، بيروت لبنان سنة ١٤٠٥ هـ.
٢٠٩- كشف المشكلات وإيضاح المعضلات في إعراب القرآن وعلل القراءات، تأليف : نور الدين أبي الحسن علي بن الحسين الباقولي، ت. الدكتور عبد القادر عبد الرحمن السعدي ط ١. دار عمّار، عمّان، الأردن، سنة ١٤٢١ هـ - ٢٠٠١ م.
٢١٠- الكنى والأسماء، تأليف : أبي الحسين مسلم بن الحجاج القشيري، ت. عبد الرحيم محمد القشقري، ط ١. دار النشر: الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، سنة ١٤٠٤ هـ.
قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ } ( ١٠ )............................................... ٥٥٩
﴿ فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا.. ﴾ ( ٢٩ ).................. ٥٦٠
﴿ وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ﴾ ( ٤٧ )............... ٥٦٢ - ٥٦٣
سورة الطور
﴿ وَالْبَحْرِ الْمَسْجُورِ ﴾ ( ٦ )................................................ ٥٦٤
سورة النجم
﴿ أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى ﴾ ( ١٢ )...................................... ٥٦٧
﴿ أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى ﴾ ( ١٩ )....................................... ٥٦٨
الآية ورقمها موضع ورودها
﴿ تِلْكَ إِذًا قِسْمَةٌ ضِيزَى ﴾ ( ٢٢ )....................................... ٥٧١
﴿ وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى ﴾ ( ٤٨ )......................................... ٥٧٣
سورة القمر
﴿ وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا.. ﴾ ( ٣٦ )........................... ٥٧٥
﴿ سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ ﴾ ( ٤٥ )................................... ٥٧٨
﴿ إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ ﴾ ( ٥٤ ).............................. ٦٧ - ٥٧٧
﴿ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ.. ﴾ ( ٥٥ )............................................. ١٦٧
سورة الرحمن
﴿ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ ﴾ ( ٥ )...................................... ٣٨٦
﴿ مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ ﴾ ( ١٩ )........................................ ٥٨٠
﴿ وَلَهُ الْجَوَارِ الْمُنْشَآَتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ ﴾ ( ٢٤ )..................... ٥٨٣
﴿..¨@ن. يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ ﴾ ( ٢٩ )....................................... ٥٨٦
﴿ سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَا الثَّقَلَانِ ﴾ ( ٣١ ).................................... ٥٨٥


الصفحة التالية
Icon