من ذلك على سبيل المثال قوله تعالى :﴿ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ ﴾ (١) قال :( وبلغ الشيء إناه - مقصور - أي : منتهاه. وكذلك فُسِّر في التنزيل :﴿ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ ﴾ أي : منتهاه وإدراكه، والله أعلم ) (٢).
٣. وقريب من الإشكال السابق، إشكال آخر، هو : أنه يُفسِّر ألفاظاً قرآنية دون ذكر الآيات، وذلك كثير جداً (٣) ؛ ولأجل هذا اعتبرت بما أشار إليه أنه في التنزيل أو ذَكَر آية ورد اللفظ المُفَسَّر فيها.
٤. أنه حين يورِد اختلاف القراء في حرف من حروف القرآن، يذكر القراءات الشاذة من دون أن يُسَمِّي مَن قرأ بها في الغالب ؛ قُلْ مثل ذلك في الشعر الذي يسوقه شاهداً على معنىً من المعاني، لا يُسَمِّي قائله في أغلب الأحيان.
المراد بأقوال ابن دريد في التفسير :
يدخل في حدود هذا العنوان الفقرات التالية :
١. تفسيرُ ابنِ دريد الصريحُ لآية أَوْرَدَها في أَحَدِ كُتُبِه.
٢. ما يذكره من قراءات، أو توجيهٍ لها، أو إعرابٍ، أو سببِ نزول، أو غيرِ ذلك مما يكون له أثر في المعنى.
٣. ما يسوقه من خلاف، يرجِّح أحد الأقوال فيه، أو الأقوالُ التي ينقلها عن غيره ثم يتعقبها بتأييد، أو اعتراض.
وعليه ؛ فلن يتضمن الموضوع ما حكاه عن غيره، مما لم يتعقبه بتأييد أو اعتراض.
مواضع تفسير ابن دريد :
جمعت تفسير ابن دريد من كتبه التالية :
١. جمهرة اللغة، بتحقيق الدكتور : رمزي منير البعلبكي. ط. دار العلم للملايين بيروت - لبنان، الطبعة الأولى، سنة ١٩٨٧ م.
(٢) ٢ ) انظر : جمهرة اللغة ١ / ٢٤٩ - ٢٥٠.
(٣) ٣ ) انظر على سبيل المثال في الجمهرة : معنى هيت لك ١ / ٢١٥ ؛ و معنى لجّّة ١ / ٤٩٤.
وفي كتاب وصف المطر والسحاب : معنى العارض ١٥ ؛ و معنى الوابل ١٧ ؛ ومعنى الانبجاس ٢٠ ؛ ومعنى صفصف ٣٥.
وفي كتاب شرح المقصور والمدود : معنى الثرى ٢٢ ؛ و معنى السَّنَا ٢٥.
فمَنْ أرادَ معرفةَ ما في كتابِ اللهِ - عز وجل -، وما في سُنَّة رسول الله - ﷺ - مِن كل كلمة غريبة أو نَظْمٍ عجيب، لم يَجِدْ من العلم باللغة بُدّاً )) (١).
- - - - -
٤. نتيجةَ قتْل ابنِ المتوكل أباه، والتولي من بعده بإيعاز من الأتراك ؛ ازداد تفكك الدولة بالانقسامات، وتصدَّع بناؤها ؛ فثارت حمص سنة ٢٤٠ هـ، و أسس الصفارون دولة لهم سنة ٢٥٤ إلى ٢٩٠ هـ، واستولت السلمانية على فارس وما وراء النهر سنة ٢٤١ إلى ٣٨٩ هـ، ثم حصلت ثورة الزنج الذين خرجوا في ولاية المعتمد على الله، فاحتلوا ميناء الأبلّة التجاري المزدهر، وسيطروا على بقاع واسعة جنوب العراق، وجنوب غربي فارس، واشتد ضغطهم على البصرة حتى دخلوها فخربوا وأَحرَقوا، وبذلوا السيف فقتلوا الكثير من العلماء منهم أستاذا ابن دريد : أبو الفضل الرياشي، وأبو عثمان الأشنانداني ؛ مما حمل ابن دريد على اللجوء إلى عُمان والإقامة بها اثنتي عشرة سنة.
- - - - -
المبحث الثاني : الحالة الاجتماعيّة
غير خفيّ أن الحالة الاجتماعية تسير مع الحالة السياسية حيث سارت، فحيث استقرت الحالة السياسية ؛ تستقر الحالة الاجتماعية، وحيث اضطربت تلك ؛ تضطرب هذه.
وقد رأينا كيف كانت الحالة السياسية بعد المتوكل، وانتهاءَ الأمور إلى أيدي الأتراك الذين كانوا ينصّبون ويعزلون على وفق ما يرتضون ؛ وكان لهذا تأثير في الحالة الاجتماعية، فعدم استقرار السلطة ؛ أدى إلى فقدان الأمن، وانتشار الخوف والقلق، ناهيك بما كان يصنعه الأتراك من استهانة بحياة الناس، وأرواحهم، وأموالهم حتى كانوا يتولون مُصادرتها، وصار من المصائب عند الرجل أن يكون غنياً !
ومن ناحية أخرى وقع الغلاء في المجتمع، واشتدت حاجة الناس وفقرهم وعوزهم مما حمل كثيراً من العلماء والعامة – ممن لا صلة لهم بالسُّلطة – على الرحيل عن بلده إلى غيرها طلباً للرزق، كما باع بعضهم كتبه ؛ للحصول على ما يقتات به !
ثانيتها : تبدأ بعد دخول الزنج البصرة سنة ٢٥٧هـ، حيث هاجر مع عشيرته إلى موطنهم وبقوا هناك اثنتي عشرة سنة.
في هذه المدة استكمل ابن دريد دراسته التي بدأها في البصرة، وذلك بمخالطة البوادي والأعراب المقيمين في عُمَان، وأكسبته هذه الخلطة معرفة بلغات العرب ؛ كما أنه تأثر بالوقائع الداخلية التي حصلت في عُمَان، فظهر هذا الأثر في شعره : رثاءً لقتلى بني قومه وتحريضاً على الأخذ بثأرهم.
ثالثتها : تبدأ بعد القضاء على ثورة الزنج في البصرة سنة ٢٧٠هـ، حيث عاد إليها وبقي فيها ما بين سنة ٢٩٥ هـ و سنة ٢٩٧ هـ، ولم أقف على شيء من نشاطه هذه الفترة.
بَيْد أنه يبدو أن عامة تراثه العلمي كانت صناعته في هذه الفترة، ما خلا (( الجمهرة )) و (( المقصورة )) فقد ألّفهما في أثناء مقامه بفارس.
رابعتها : الفترة التي قضاها في فارس بعد رحيله إليها بدعوة من أميرها ابن ميكال (١) الذي تولى العَمَالة على فارس من قِبَل المقتدر بالله.
وكان قدومه فارس ما بين سنة ٢٩٥ هـ و سنة ٢٩٧ هـ، حتى سنة ٣٠٨ هـ.
وأبرز سمات حياته هذه الفترة يتمثل في الآتي :
١. صحب الأميرين الميكاليين.
٢. تقلّد النظر في ديوان الإنشاء للإمارة، بحيث لا يصدر عن الديوان أمر إلا بعد أن يوقع هو عليه.
٣. أفاد أموالاً عظيمة كانت عوناً له على إنجاز أعظم مؤلفاته ؛ وهي : الجمهرة، وأتى برائعة من الروائع وهي : المقصورة.
٤. صنف الجمهرة للأمير الميكالي سنة ٢٩٧ هـ.
" وقوله :( وعشيرة الرجل : بنو أبيه الأدنَون الذي يعاشرونه ؛ وهكذا ذكر أصحاب المغازي أن النبي - ﷺ - لما أنزل عليه :﴿ وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ﴾ (١) قام فنادى : يا بني عبد مَناف ) (٢).
" وقوله في معنى عسعس :( من قولهم : عسعس الليل، إذا رقّت ظلمته. وكذلك فُسِّر في التنزيل، والله أعلم ) (٣).
" وقوله في معنى العَوْل :( الجَوْر. وفي التنزيل :﴿ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا ﴾ (٤) أي : تجوروا، والله أعلم. قال الشاعر :- وعالوا في الموازين -
أي : جاروا فيها ) (٥).
وهناك أمثلة أخرى، للمزيد منها انظر في الجزء الأول من الجمهرة، الصفحات التالية :
[٨٠ ] و [ ٣٢٧ ] و [ ٣٦٥ ] و [ ٤٩٥ ] و [ ٤٩٧ ] و [ ٥٢٦ ] و [٦١٥].
و انظر في الجزء الثاني من الجمهرة، صفحة :[ ٦٨٧ ].
وإغفال ابن دريد التصريحَ كثيراً بمصادره ليس ضناً منه بها، ولا انتحالاً لما جاء فيها...................
لكنّه قَصَد سبيل الاختصار ؛ مراعاة لمن كان العجز والتثاقل في الطلب حظَّه ؛ قال في مقدمة الجمهرة :( وأملينا هذا الكتاب والنقص في الناس فاشٍ، والعجز لهم شامل إلا خصائصَ كدراري النجوم في الأفق، فسهّلنا وَعْرَه، ووَطّأنا شَأْزَه ) (٦).
واقرُن بما مضى سبباً آخر، وهو : أنه كان يملي كتبه من حفظه.
ثم إن إغفال ابن دريد التصريح بالمصادر، منهج بعض العلماء ؛ فلا ضير عليه إن سلك مسلكهم.
- - - - -
المبحث الثاني : مصادره التي صرح بها
أفاد ابنُ دريد من كتب وشخصيات علمية، ترددت أسماؤها في ثنايا تواليفه.
(٢) ٤ ) انظر : جمهرة اللغة ٢ / ٧٢٨.
(٣) ٥ ) انظر : الاشتقاق ٢٤٨.
(٤) ٦ ) النساء : ٣.
(٥) ٧ ) انظر : الاشتقاق ٢٨٦.
(٦) ١ ) انظر : ١ / ٤٠. والشأز : الموضع الغليظ كثير الحجارة. انظر : لسان العرب ٥ / ٣٦٠.
" ومنها أيضاً قوله :( واختلق فلان كلاماً، إذا زَوّرَه، وكذلك اخترقه، وفي التنزيل :﴿ وَتَخْلُقُونَ إِفْكًا ﴾ (١) وفيه :﴿ وَخَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَبَنَاتٍ ﴾ (٢) ) (٣).
" ومنها أيضاً قوله :( والنَّهَر - بفتح الهاء - اللغة الفصيحة العالية، وأصل النَّهر : السَّعَة والفُسحة، وفُسِّر قوله عز وجلّ :﴿ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ ﴾ (٤) في ضوء وفُسحة، وهو كلام المفسرين، واللغة توجب أن يكون نَهَر في معنى أنهار كما قال جلّ ثناؤه :﴿ ثُمَّ نُخْرِجُكُمْ طِفْلًا ﴾ (٥) أي : أطفالاً، والله أعلم ) (٦).
ولمزيد من هذه التطبيقات انظر في جمهرة اللغة الصفحات التالية من الجزء الأول :[ ٥٦ - ٥٧ ] و [ ٢٤٣ ] و [ ٣٨٨ ] و [ ٥١٤ ] و [ ٦٠٥ ].
والصفحات التالية من الجزء الثاني :[ ٧١٢ ] و [ ٩٧٨ ] و [ ١٠٩٢ ].
وصفحة :[ ١٢٦٣ ] من الجزء الثالث.
- - - - -
المبحث الثاني : تفسير القرآن بالسنة
(٢) ٥ ) الأنعام : ١٠٠.
(٣) ٦ ) انظر : جمهرة اللغة ١ / ٦١٩.
(٤) ٧ ) القمر : ٥٤.
(٥) ٨ ) الحج : ٥
(٦) ٩ ) انظر : جمهرة اللغة ٢ / ٨٠٧.
اختلف في تسميتها بهذا الاسم على قولين (١) :
الأول : الكراهة ؛ لأن أم الكتاب الحلال والحرام، أو اللوح المحفوظ، وهذا قول أنس - رضي الله عنه - (٢)
.....................................................................................
- - - - - - -
والحسن(٣) وابن سيرين(٤)، ووافقهما بقيّ (٥).
(٢) ٦ ) هو : أنس بن مالك بن النضر، الأنصاري، النجاري، أبو حمزة، صاحب رسول الله - ﷺ -، خدم النبي - ﷺ - عشر سنين، دعا له النبي - ﷺ - بكثرة المال والولد ودخول الجنة، كان آخر من مات بالبصرة من الصحابة، سنة ٩٢، وقيل : ٩٣ هـ. انظر: الطبقات الكبرى، لابن سعد ٧ / ١٢ ؛و تهذيب الكمال، للمزي ٣ / ٣٥٣.
(٣) ١ ) هو : الحسن بن أبي الحسن - واسم أبيه : يسار - البصري، ولد في عهد عمر، قال ابن سعد :( وكان الحسن جامعاً عالماً رفيعاً فقيهاً ثقة مأموناً عابداً ناسكاً كبير العلم فصيحاً ) توفي سنة ١١٠ هـ. انظر : الطبقات الكبرى ٧ / ١١٤ ؛ وتذكرة الحفاظ، للذهبي ١ / ١١١.
(٤) ٢ ) هو : محمد بن سيرين، أبو بكر، مولى أنس بن مالك، قال مورّق العجلي :( ما رأيت رجلاً أفقه في ورعه و لا أورع في فقهه من محمد بن سيرين ) توفي سنة ١١٠ هـ. انظر: التاريخ الكبير ١ / ٩٠ و تاريخ بغداد ٥ / ٤١٥.
(٥) ٣ ) هو : بقي بن مخلد، أبو عبدالرحمن، الأندلسي الحافظ، رحل إلى الإمام أحمد فسمع منه، وسمع من ابن أبي شيبة وغيرهما، ثم رجع إلى الأندلس فملأها علماً جماً، توفي سنة ٢٧٦ هـ، وقيل : غيرها. انظر: طبقات الحنابلة، لابن أبي يعلى ١ / ١١٢ ؛ و سير أعلام النبلاء ١٣ / ٢٨٥.
وأبو العالية (١)، والربيع بن أنس (٢)، وقتادة، ومقاتل بن حيان (٣)، والسدي (٤) وإسماعيل ابن أبي خالد (٥) ) (٦).
(٢) ٢ ) هو : ابن زياد البكري، الخراساني، المروزي، الحنفي، بصري، عالم مرو في زمانه. مات سنة ١٣٩ هـ انظر : الجرح والتعديل ٣ / ٤١٩ ؛ وسير أعلام النبلاء ٦ / ١٦٩.
(٣) ٣ ) هو : أبو بسطام الخزاز، صدوق فاضل، له تفسير. هرب إلى كابل أيام أبي مسلم الخراساني، ودعا خلقاً فأسلموا. توفي قبيل ١٥٠ هـ. انظر: ميزان الاعتدال ٦ / ٥٠٣ ؛ وطبقات المفسرين، للداودي ٢ / ٣٢٩.
(٤) ٤ ) هو : إسماعيل بن عبد الرحمن ابن أبي كريمة، الكبير، أبو محمد الكوفي الأعور. صاحب التفسير. قال إسماعيل بن أبي خالد :( السدي أعلم بالقرآن من الشَّعبي ) توفي سنة ١٢٧ هـ. انظر : الأنساب، للسمعاني ٣ / ٢٣٩ ؛ وطبقات المفسرين، للداودي ١ / ١٠٩.
(٥) ٥ ) اختلف في اسم أبيه فقيل : هرمز، وقيل: غيره، البجلي، أبو عبد الله الكوفي. سمع خمسة من أصحاب النبي - ﷺ -، ثقة ثبت مات سنة ١٤٦ هـ. انظر : تهذيب الكمال ٣ / ٦٩ ؛ وسير أعلام النبلاء ٦ / ١٧٦.
(٦) ٦ ) انظر : تفسير ابن أبي حاتم ١ / ٣٤.
وقد قرئ :﴿ أن الله يُبَشِّرك ﴾ و يَبْشرك، مثقّل ومخفّف. قال أبوبكر (١) : قال أبو حاتم (٢) : بَشَرْتُ الرجل وأبْشَرْتُه وبشّرته في معنى. وقرأ أبو عمرو، ومجاهد :﴿ ذَلِكَ الَّذِي يَبْشُرُ اللَّهُ عِبَادَهُ ﴾ (٣). وأنشد لخُفَاف (٤) :
وقد غَدوتُ إلى الحانات أَبْشُره | بالرَّحْل تحتي على العَِيرانة الأُجُدِ (٥) |
- - - - - - -
في كلام ابن دريد ثلاث مسائل :
.....................................................................................
- - - - - - -
الأولى : معنى البشارة :
ذَكَر ابن دريد أنها تكون : بما يُسَرُّ به.
وعلى هذا المفسرون قاطبة ؛ لم يخالف منهم أحد في تأويل هذا الحرف (٦).
وأهل اللسان - أ يضاً - على ذلك، يحملون اللفظ أصلاً على البشارة بالخير ؛ وذلك لظهور أثر الخبر على البشرة : حُسناً وجمالاً، وابتهاجاً (٧).
(٢) ٢ ) لم أقف عليه في المطبوع من كتب أبي حاتم.
(٣) ٣ ) الشورى : ٢٣.
(٤) ٤ ) هو : ابن ندبة، وهي أمه، وأبوه عمير. يكنى بأبي خرشة، وهو ابن عم صخر، وخنساء، ومعاوية أولاد عمرو بن الحارث بن الشريد. وخفاف شاعر مشهور بالشعر. وممن ثبت على إسلامه في الردة. شهد بعض المشاهد مع رسول الله - ﷺ -. وبقي إلى أيام عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -. انظر: أسد الغابة ٢ / ١٣٨ ؛ والوافي بالوفيات ١٣ / ٢١٨.
(٥) ٥ ) الذي في ديوان خفاف ص ٨٦ بيت شبيه بهذا البيت :
وقد أغادي الحانوت أنشره بالرحل فوق العَيرانة الأُجُد
(٦) ١ ) انظر : جامع البيان ٣ / ٢٥١ ؛ ومعاني القرآن وإعرابه ١ / ٤٠٥ ؛ و تفسير السمعاني ١ / ٣١٥ ومفردات الراغب ٤٥ ؛ وزاد المسير ١ / ٣٨٢ ؛ وعمدة الحفاظ ٥٠.
(٧) ٢ ) انظر : تهذيب اللغة ١١ / ٢٤٥ ؛ والصحاح ٢ / ٥١٤ ؛ و مقاييس اللغة ١ / ٢٥١ ؛ ولسان العرب ٤ / ٦١ - ٦٢.
" الثاني : أو أنها مجرورة بباء مقدرة حُذفت للدلالة عليها (١).
" الآخِر : أو أن الجر ليس بالعطف ؛ بل بواو القسم، وجواب القسم :﴿ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ (٢).
- - - - -
( ٣٤ ) [ ٢ ] قول الله عز وجل :﴿ وَآَتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا (٢) ﴾
قال : والحُوب والحَوب : الإثم. وقد قرئ :﴿ إِنَّهُ كَانَ حَوباً كَبِيرًا ﴾ وحُوباً.
( جمهرة اللغة، مادة [ ب ح و ] ١ / ٢٨٦ )
- - - - - - -
اشتمل كلام ابن دريد على مسألتين :
الأولى : معنى قوله تعالى :﴿ حُوبًا ﴾ :
(٢) ٢ ) انظر الردود في : الخصائص ١ / ٢٨٥ ؛ والإنصاف في مسائل الخلاف، لابن الأنباري ٢ / ٤٦٣ واللباب، للعكبري ١ / ٤٣٣ ؛ وهمع الهوامع، للسيوطي ٣ / ٢٢١.
قال : والبَحِيْرَةُ المذكورة في التنزيل : كانت الشاة إذا نُتِجَت عشرة أبطنٍ أو الناقة شقّوا أذنها، وتركوها لا تُمنَع من ماء ولا مرعىً (١)، فإذا ماتت أَكَلَها الرِّجال وكانت حراماً على النساء.. والسائبة التي ذُكِرت في التنزيل : وذلك أن الرجل كان إذا سافر على راحلة فسَلِم، نذر أن يجعلها سائبة، فكان يتركها راغدة لا تُهَاجُ، ولا تُمْنَع من ماء ولا مرعى، ويحرم عليه وعلى غيره ركوبها (٢). ومنه : قول الذي أُغِير على إبله فركب سائبة فاتبعها، فقيل له : تركب الحرام ؟ فقال (٣) :(( يركب الحرام من لا حلال له لِلَّهِ )) فأرسلها مثلاً.
والوصيلة التي في التنزيل من الغَنَم : كانت إذا نتجت خمسة أبطنٍ فكان الخامس ذكراً وأنثى حرموا الذكر وقالوا : وصلت أخاها فلا يذبح.
( الاشتقاق ٨٧، ٩٣، ١٢٣، ٣٥٩ )
- - - - - - -
اختلف أهل التفسير في : البَحيرة، والسائبة، والوَصيلة، وذكروا في معناها أقوالاً :
.....................................................................................
- - - - - - -
" أما البحيرة ففيها أربعة أقوال :
(٢) ٢ ) وجه تسميتها سائبة : أنها تُترك تذهب حيث تشاء. انظر : مقاييس اللغة ٣ / ١١٩.
(٣) ٣ ) قائله : جُرَيّة بن أوس بن عامر من بني الهُجَيم. والمثل هو :( حَرَاماً يَرْكَبُ مَنْ لا حَلالَ له ). انظر قصة ورود المثل في : جمهرة الأمثال، لأبي هلال العسكري ١ / ٣١٩. وفي مَجْمَع الأمثال، للميداني ١ / ٣٥٣ :( حَرَامُه يَرْكَبُ مَنْ لا حَلالَ له ).
أشار ابن دريد إلى القراءتين الواردتين في قوله :﴿ يُكَذِّبُونَكَ ﴾، والمعنى على كل قراءة، وهذا بيانهما :
" الأولى :﴿ فَإِنَّهُمْ لا يُكْذِبونك ﴾ بالتخفيف ؛ قرأ بها نافع، والكسائي.
" الأخرى :﴿ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ ﴾ بالتشديد ؛ بها قرأ الباقون.
وقد قيل : إنهما بمعنى واحد ؛ وهناك من فَرَّق بينهما في المعنى - منهم ابن دريد - إذ قالوا : المعنى على قراءة التخفيف : لا يجدونك ويصادفونك كاذباً، أو لا يقدرون أن يقولوا : إنك كذبت فيما أنبأت به مما في كتبهم.
والمعنى على قراءة التشديد : لا تحزن فإنهم لا يكذّبونك تكذيباً يَضُرّ بك ؛ إذ لست بكاذب في الحقيقة. ويحتمل أن يريد : فإنهم لا يكذّبونك على جهة الإخبار عنهم أنهم لا يكذّبون وأنهم يعلمون صدقه ونبوته، ولكن يجحدون عناداً وظلماً (١).
- - - - -
( ٤٦ ) [ ٣ ] قول الله تعالى :﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ.... الآية ِازجب ﴾
- - - - - - -
o خامساً : ما ظهر من اللباس، وممن قاله أبوعبيدة (١).
وقدّمتُ أن الأقوال المسرودة متداخلة، يجمعها ما قال ابن دريد ؛ قال الزجاج :( الرِّياش : اللباس، وكل ما ستر الرجل في جسمه ومعيشته ) (٢).
وتلك المعاني مقررة عند أهل اللسان (٣)، قال ابن فارس :( الراء، والياء، والشين أصل واحد يدل على حُسن الحال، وما يكتسب الإنسان من خير. فالرِّيش : الخير. والرِّياش : المال. ورِشتُ فلاناً أَرِيْشه رَيْشاً، إذا قمت بمصلحة حاله..) (٤).
الأخرى : القراءات الواردة في قوله :﴿ وَرِيشًا ﴾ :
وقد ذكر قراءتين :
" أُولاهما :﴿ $W±"ح' ﴾ قراءة عامة أهل الأمصار وعليها رسم المصحف، وهي سبعية.
" أُخراهما :﴿ رِيَاشاً ﴾ وممن قرأ بها الحسن، وزر بن حُبيش (٥)، ومجاهد وأبو رجاء، وقتادة، وعاصم وأبو عمرو في رواية عنهما (٦).
واختلف في معناهما على أقوال :
" أولها : أن الرِّيش ما بَطَن، والرِّياش ما ظهر.
.....................................................................................
- - - - - - -
(٢) ٢ ) معاني القرآن وإعرابه ٢ / ٣٢٨. وانظر أيضاً : المحرر الوجيز ٧ / ٣٨.
(٣) ٣ ) انظر: تهذيب اللغة ١١ / ٢٨٠ ؛ والصحاح ٣ / ٨٤٧ ؛ و مقاييس اللغة ٢ / ٤٦٦ ؛ وأساس البلاغة ١ / ٤٠٣ ؛ و لسان العرب ٦ / ٣٠٩.
(٤) ٤ ) انظر : مقاييس اللغة ٢ / ٤٦٦.
(٥) ٥ ) هو : ابن حُباشة، أبو مريم الأسدي الكوفي، أحد الأعلام. قال عاصم :( ما رأيت أقرأ من زر ) وكان ابن مسعود يسأله عن اللغة. توفي سنة ٨٢ هـ. انظر تاريخ خليفة ٢٨٨ ؛ وغاية النهاية ١ / ٢٩٤.
(٦) ٦ ) انظر : معاني القرآن، للأخفش ٢ / ٥١٦ ؛ والمحرر الوجيز ٧ / ٨٣ ؛ والبحر المحيط ٥ / ٣٠.
قال : والفرقان : النصر، ومنه :﴿ وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَى عَبْدِنَا يَوْمَ الْفُرْقَانِ ﴾ أي : يوم النصر، يعني يوم بدر (١).
( جمهرة اللغة، مادة [ ر ف ق ] ٢ / ٧٨٥ )
- - - - - - -
أوّل ابن دريد قوله :﴿ يَوْمَ الْفُرْقَانِ ﴾ بيوم النصر : يوم بدر ؛ والمفسرون قاطبة على ذلك، وممن حُفظ عنه تأويله : ابن عباس - رضي الله عنهم -، وعروة بن الزبير (٢)، ومجاهد، وقتادة والضحاك، ومقاتل بن حيان، وابن إسحاق (٣).
.....................................................................................
- - - - - - -
عن ابن عباس - رضي الله عنهم - قال :( يعني : يوم بدر، فرّق الله فيه بين الحق والباطل ) (٤).
(٢) ٢ ) هو : أبو عبد الله، عروة بن الزبير بن العوام. مولده سنة ست وعشرين. قال عمر بن عبد العزيز :( ما أحد أعلم من عروة ) وقال الزهري :( عروة بحر لا تكدره الدلاء ). توفي سنة ٩٤ هـ. انظر : التاريخ الكبير ٧ / ٣١ ؛ وتهذيب الكمال ٢٠ / ١١.
(٣) ٣ ) انظر : تفسير ابن عباس - رضي الله عنهم - ٢٥٤ ؛ وتفسير الصنعاني ١ / ٢٣٧ ؛ وجامع البيان ١٠ / ٨ ؛ وتفسير ابن أبي حاتم ٥ / ١٧٠٦ ؛ والوسيط ٢ / ٤٦٢.
(٤) ١ ) انظر : تفسير ابن عباس - رضي الله عنهم - ٢٥٤.
o الآخِر : اسم لجنّة في السماء العليا لا يدخلها إلا نبي أو صدّيق أو شهيد أو إمام عدل، قاله أبو الدرداء - رضي الله عنه -، والحسن، ومقاتل، والكلبي (١).
.....................................................................................
- - - - - - -
والأقرب أن المراد هو القول الأول :( جنات إقامة وخلود ) ؛ وهو القول المشهور واللغة تؤيده (٢).
قال الأزهري :( المَعْدِن : وهو المكان الذي يثبت فيه الناس، ولا يتحوّلون عنه شتاءً ولا صيفاً ) (٣).
- - - - -
( ٧٤ ) [ ٣ ] قول الله تعالى :﴿ وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَلَّا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ (٩٢) ﴾
(٢) ١ ) انظر : تهذيب اللغة ٢ / ١٢٩ ؛ والصحاح ٥ / ١٧٣٤ ؛ و مقاييس اللغة ٤ / ٢٤٨.
(٣) ٢ ) انظر : تهذيب اللغة ٢ / ١٢٩.
وعلى هذا يجاب، فيقال :( كان جائزاً أن ينجيه بهيئته حياً كما دخل البحر، فلما كان جائزاً ذلك، قيل :﴿ فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ ﴾ ؛ ليُعْلم أنه ينجيه بالبدن بغير روح ولكنْ ميتاً ) (١).
- - - - -
قال ابن فارس :( الزاء، والواو، والجيم أصل يدل على مقارنة شيء لشيء، من ذلك الزوج : زوج المرأة، والمرأة زوج بعلها وهو الفصيح.. ويقال : لفلان زوجان من الحَمَام يعني : ذكراً وأنثى. فأما قوله - عز وجل - في ذكر النبات :﴿ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ ﴾ (١) فيقال : أراد به اللون كأنه قال : من كل لون بهيج ؛ وهذا لا يبعد أن يكون من الذي ذكرناه لأنه يزوّج غيره مما يقاربه ) (٢).
- - - - -
( ٧٧ ) [ ٢ ] قول الله تعالى :﴿ قَالَ سَآَوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (٤٣) ﴾
قال : أي : لا معصوم، والله أعلم.
( جمهرة اللغة، مادة [ ح ر ل ] ١ / ٤٧٣ )
- - - - - - -
اختلف أهل التأويل في قوله تعالى :﴿ لَا عَاصِمَ ﴾ هل تبقى على ظاهرها، أو تكون كما قال ابن دريد عاصم بمعنى معصوم، ومَرْجع هذا الاختلاف الموقع الإعرابي لـ( مَن ) مِن قوله :﴿ مَنْ رَحِمَ ﴾، وإليك الاحتمالات فيها :
o الأول : إبقاء ﴿ لَا عَاصِمَ ﴾ على حقيقته، وأنه نفيُ كلِّ عاصمٍ مِن أمر الله في ذلك الوقت.
فتكون ﴿ مَنْ ﴾ في قوله :﴿ مَنْ رَحِمَ ﴾ واقعة على المعصوم، والضمير الفاعل يعود على الله، وضمير الموصول محذوف، ويكون الاستثناء منقطعاً، ويكون المعنى : لا عاصم اليوم البتة من أمر الله، لكنْ من رحمه الله فهو معصوم (٣).
o الثاني : جوّزوا أن يكون المراد بـ ﴿ مَنْ ﴾ الله، فيكون المعنى : لا عاصم إلا الراحم ؛ و ﴿ عَاصِمَ ﴾ يبقى على حقيقته، ويكون الاستثناء متصلاً (٤).
.....................................................................................
(٢) ٥ ) انظر : مقاييس اللغة ٣ / ٣٥.
(٣) ١ ) ممن رأى هذا الزجاجُ، انظر : معاني القرآن وإعرابه ٣ / ٥٤.
(٤) ٢ ) ممن رأى هذا ابنُ جرير، انظر : جامع البيان ١٢ / ٤٥.
أي : من اشترى. وقال الشاعر (١) :
وشَريتُ بُرداً ليتني...... من بَعْد بُردٍ كنتُ هَامَه
أي : بِعْتُه.
( الاشتقاق ٥٠٣ - ٥٠٤ )
﴿ بَخْسٍ ﴾ قال : أي ناقص، والله أعلم.
( جمهرة اللغة، مادة [ ب خ س ] ١ / ٢٨٩ )
- - - - - - -
في كلام ابن دريد على هذه الآية مسألتان :
الأولى : معنى قوله تعالى :﴿ وَشَرَوْهُ ﴾ :
بيّن ابن دريد أن المراد بقوله :﴿ وَشَرَوْهُ ﴾ : باعوه ؛وهذا التأويل الذي ذهب له ابن دريد، هو الذي قال به عبد الله بن عباس - رضي الله عنهم -، وإبراهيم. النخعي، ومجاهد، وقتادة..........
.....................................................................................
- - - - - - -
والحسن، والضحاك (٢)، في آخرين (٣).
عن الضحاك في قوله :﴿ وَشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ z ﴾ قال :( باعوه ) (٤).
وقال ابن عاشور :( معنى ﴿ وَشَرَوْهُ ﴾ باعوه. يقال : شرى كما يقال : باع، ويقال : اشترى كما يقال : ابتاع.. ) (٥).
وهذا متعارف عليه عند أهل اللغة (٦).
(٢) ١ ) انظر : تفسير الصنعاني ١ / ١٧٨ ؛ وجامع البيان ١٢ / ١٧٠- ١٧١ ؛ وتفسير ابن أبي حاتم ٧ / ٢١١٥ - ٢١١٦ ؛ والدر المنثور ٤ / ٤٥٩ - ٤٦٠.
(٣) ٢ ) منهم : السجستاني في نزهة القلوب ٢٨٤ ؛ والسمرقندي في تفسيره ٢ / ١٥٥ ؛ وابن أبي زمنين في تفسيره ١ / ٣٨١ ؛ وابن الجوزي في تذكرة الأريب ١ / ٢٦١ والبيضاوي في تفسيره ٥ / ٢٠ ؛ وأبو السعود في تفسيره ٣ / ٣٧٤ ؛ وابن عاشور في التحرير والتنوير ١٢ / ٢٤٣.
(٤) ٣ ) انظر : جامع البيان ١٢ / ١٧١.
(٥) ٤ ) انظر : التحرير والتنوير ١٢ / ٢٤٣.
(٦) ٥ ) انظر : الأضداد، للأنباري ٧٣ ؛ وتهذيب اللغة ١١ / ٢٧٦ ؛ والصحاح ٥ / ١٩٠٦ ؛ و مقاييس اللغة ٣ / ٢٦٦ ؛ ولسان العرب ١٤ / ٤٢٧ - ٤٢٨.
o أولها : الأخذ بالعقوبة، وممن قال به علي - رضي الله عنه -، وقتادة، والحسن.
o ثانيها : المكر والحيلة، وممن قال به ابن عباس - رضي الله عنهم -، وقتادة، والسدي.
o آخرها : القوة، وممن قال به ابن عباس - رضي الله عنهم -، ومجاهد (١).
و هذه المعاني المذكورة ترجع إلى أصل الكلمة اللغوي (٢) ؛ فإنه لما ذُكرت المعاني التي............
.....................................................................................
- - - - - - -
انطوى عليها أصلها اللغوي، ذُكِر منها : الوشاية والسعاية، وهذا هو المكر، وحقيقته : إيصال المكروه إلى مَن يستحقه من حيث لا يشعر.
ولذا كانت العقوبة الحاصلة به شديدة، وصار من مظاهر الحول و القوة (٣)، بحيث يوصل المكروه لمن يريد من دون أن يشعر به.
- - - - -
( ٩٧ ) [ ٣ ] قول الله تعالى :﴿ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاءً وَأَمَّا مَا يَنْفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ (١٧) ﴾
(٢) ٣ ) انظر : تهذيب اللغة ٥ / ٦٢ ؛ وأساس البلاغة ٢ / ١٩٦ ؛ ولسان العرب ١١ / ٦١٨ - ٦١٩.
(٣) ١ ) هذا الكلام مستوحىً من المعاني المذكورة لهذا اللفظ. انظر : المحكم والمحيط الأعظم ٣ / ٣٧٥ ؛ ومقاييس اللغة ٥ / ٣٠٢ ؛ ولسان العرب ١١ / ٦١٩.
تفسير ابن دريد قوله تعالى :﴿ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ ﴾ بأن المراد : لا أغيثكم ولا تغيثونني، واقع موقعه. وهذا بنحو ما قال جمهور أهل التأويل : مجاهد، وقتادة، و الشعبي، والربيع بن أنس، والحسن، ومحمد بن كعب القرظي (١)..........
.....................................................................................
- - - - - - -
في غيرهم (٢).
فعن قتادة في قوله تعالى :﴿ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ ﴾ قال :( ما أنا بمغيثكم، وما أنتم بمغيثيّ ) (٣).
وقال السمعاني :( معناه : ما أنا بمعينكم، وما أنتم بمعينيّ ؛ وقيل معناه : ما أنا بمنجيكم وما أنتم بمنجيّ ) (٤).
وأصل مصرخ من صرخ، و الصراخ لغة (٥) : الصوت رفيع. يقال : صرخ يصرُخ إذا صوّت ؛ ولذا سمي طالب الغوث والمغيث بذلك ؛ مراعاة لهذا المعنى.
(٢) ١ ) كأبي عبيدة في مجاز القرآن ٣ / ٣٣٩ ؛ والزجاج في معاني القرآن وإعرابه ٣ / ١٥٩ ؛ والسمرقندي في تفسيره ٢ / ٢٠٥ ؛ وابن أبي زمنين في تفسيره ١ / ٤١٠ ؛ والواحدي في الوسيط ٣ / ٢٩ ؛ وابن الجوزي في تذكرة الأريب ١ / ٢٧٩ ؛ وابن جزي في التسهيل ١ / ٤٣١ ؛ والسمين في عمدة الحفاظ ٢٩١ ؛ والثعالبي في الجواهر الحسان ٢ / ٢٥٣ ؛ والقاسمي في محاسن التأويل ٦ / ٣١٢.
(٣) ٢ ) انظر : جامع البيان ١٣ / ٢٠٢.
(٤) ٣ ) انظر : تفسيره ٣ / ١١٢.
(٥) ٤ ) انظر : تهذيب اللغة ٧ / ٦٣ ؛ ومعجم مقاييس اللغة ٣ / ٣٤٨ ؛ ولسان العرب ٣ / ٣٣.
والأقوال لا اختلاف بينها فإنها من معنى ( وَصَبَ ) في اللغة (١).
.....................................................................................
- - - - - - -
قال ابن فارس :( الواو، والصاد، والباء كلمة تدل على دوام شيء.
ووَصَبَ الشيء وُصُوباً، دَامَ. وَوَصَبَ الدين، وَجَبَ، ومفازة واصبة، بعيدة لا غاية لها.. ) (٢).
وبهذا يتبين أن المعاني التي سيقت عن المفسرين محتملة جميعها، ويكون المعنى حينئذٍ : وله الدين واجباً على الدوام ؛ وإن كان ذا كلفة وتعب، والله أعلم.
- - - - -
( ١٠٤ ) [ ٣ ] قول الله تعالى :﴿ يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلَا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ (٥٩) ﴾
قال : والهُون، بضم الهاء : الهوان، من قوله جل ثناؤه :﴿ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ ﴾. والهوان : ضد الكرامة ؛ رجل هَيّن وأهون، ورجلٌ مَهين.
( جمهرة اللغة، مادة [ ن هـ و ] ٢ / ٩٩٦ ؛ الاشتقاق ١٧٨ )
- - - - - - -
جعل ابن دريد قوله تعالى :﴿ هُونٍ ﴾ من الهوان، وهو ضد الكرامة.
ولأهل التأويل في هذا الحرف ثلاثة أوجه :
o أولها : الهَوان، في لغة قريش، قاله الفراء (٣)، وبه فسره اليزيدي (٤).
o ثانيها : القليل، وهو الشيء الهيّن ؛ في لغة تميم. حكاه الفراء، وابن جرير عن الكسائي (٥).
o آخرها : البلاء والمشقة (٦).
(٢) ١ ) انظر : مقاييس اللغة ٦ / ١١٧.
(٣) ١ ) انظر : معاني القرآن ٢ / ٣٧.
(٤) ٢ ) انظر : غريب القرآن وتفسيره ٢٠٧.
(٥) ٣ ) انظر : معاني القرآن ٢ / ٣٧ ؛ وجامع البيان ١٤ / ١٢٤.
(٦) ٤ ) نسبه الماوردي في النكت والعيون ٣ / ١٩٤ إلى الكسائي واستشهد ببيت للخنساء :
نُهين النفوس وهَون النفو | سِ يوم الكريهة أبقى لها |