والكتب المصنفة في التفسير مشحونة بالغث والسمين، وفيها الباطل الواضح والحق المبين(١)، كما أنها مشتملة على أقوال في منزلة متوسطة بين المنزلتين.
والدارس للتفسير يحتاج للتمييز بين هذه الأقوال، ويحرص على معرفة الصحيح من الضعيف، والراجح من المرجوح، كما أنه يبحث عن الأقوى من الأقوال، والأقرب إلى المراد ليقدمه على غيره. وبهذا تتفاوت منازل أهل العلم بالتفسير ؛ فمن الأصول المهمة في هذا الباب: ( معرفة مراتب الحق و الباطل، والحسنات والسيئات، والخير والشر ليعرف خير الخيرين، وشر الشرين.)(٢) وتلك مرتبة عالية من مراتب العلم، يوفق الله - عز وجل - لها من شاء من عباده.
ومن هنا كانت الحاجة ماسة للترجيح بين الأقوال، والاختيار للأقوى منها حتى يقدم على غيره، ويوضع في منزلته.
فما المراد بكل من الاختيار والترجيح ؟ وما الفرق بينهما ؟ وما أثرهما في التفسير ؟
هذا ما أرجو إيضاحه من خلال الفقرات التالية :
١- تعريف الاختيار والترجيح، والفرق بينهما :
أولاً : تعريف الاختيار :
الاختيار في اللغة مصدر اختار يختار، و ( الخاء والياء والراء أصله العطف والميل )(٣)، وخار الشيءَ واختاره : انتقاه، واخْتَرْت فلاناً على فلان : عُدِّيَ بعلى لأَنه في معنى فَضَّلْتُ.
والاختيار : الاصطفاء، وكذلك التَّخَيُّرُ. (٤)
والاختيار كذلك : طلبُ ما هو خيرٌ، وفعلُه. قال الله - عز وجل - :﴿ وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ ﴾ (الدخان: ٣٢)، أي : قدمناهم على غيرهم، واصطفيناهم من بينهم. (٥)
(٢) مجموع فتاوي شيخ الإسلام ابن تيمية ١٤/٤٣٤.
(٣) معجم مقاييس اللغة لابن فارس ٢/٢٣٢.
(٤) انظر لسان العرب لابن منظور، مادة " خير ".
(٥) انظر مفردات ألفاظ القرآن للراغب الأصفهاني ص٣٠١، وعمدة الحفاظ للسمين الحلبي ١/٦٣٠.