وأما الاختيار في اصطلاح المفسرين ؛ فلم أرَ من حرره من المتقدمين، واستعمالُ المفسرين له يدل على أنه بمعنى الترجيح، حيث يستعملونه في ترجيح قول على آخر، سواء على وجه التقديم واختيار الأولى أم على وجه تصحيح القول المرجّح، ورد القول الآخر.
وقد عرّف أحد الباحثين الاختيار بقوله :( والمراد بالاختيار في التفسير : الميل إلى أحد الأقوال في تفسير الآية، مع تصحيح بقية الأقوال.)(١)
وفي هذا التعريف نظر لوجهين :
الأول : أن مجرد الميل إلى أحد الأقوال لا يصلح أن يكون سبباً للاختيار ؛ لأن الاختيار المعتبر لا يكون إلا بعد بذل الجهد، والنظر في الأقوال التي يتخير منها، ثم يختار ما يرى أنه الأولى والأقوى. فلا يكون للاختيار قيمة إلا إذا كان مبنياً على التروي والتفكر والنظر، وليس ناشئاً عن ميل سابق أو هوى غالب.
جاء في تفسير الرازي(٢) :( الاختيار هو أخذُ الخير من أمرين، والأمران الّذان يقع فيهما الاختيار في الظاهر لا يكون للمختار أولاً ميل إلى أحدهما، ثم يتفكر ويتروى، ويأخذ ما يغلبه نظره على الآخر.)(٣)

(١) رسالة : ترجيحات الإمام ابن جرير في التفسير للدكتور حسين الحربي ص٦٦.
(٢) فخر الدين الرازي : العلامة الكبير، ذو الفنون، محمد بن عمر بن الحسين، المشهور بالفخر الرازي، الأصولي، المفسر، كبير الأذكياء والحكماء والمصنفين، في مؤلفاته انحرافات كثيرة، ومنها : تفسيره الكبير ﴿ مفاتيح الغيب ﴾ إلاَّ أنه مات على طريقة حميدة، مات سنة ٦٠٦ هـ. انظر : سير أعلام النبلاء ٢١/٥٠٠ - ٥٠١.
(٣) التفسير الكبير ١٩/١٣٤.


الصفحة التالية
Icon