وأما المفسرون فليس للترجيح عندهم حدّ أو تعريف متفق عليه، ولم أرَ من ذكر له تعريفاً من المتقدمين. واستعمالهم للترجيح في تفاسيرهم يدل على توسعهم في إطلاقه، فهو عندهم يشمل كلّ تقديم لقول على آخر، سواء كان تقديماً يلزم منه ردّ الأقوال الأخرى، أم كان تقديماً لا يلزم منه ذلك.
وعلى هذه فالترجيح عند المفسرين يفترق عن الترجيح بين القراءات عند القراء ؛ فمن شرط جواز الترجيح بين القراءات المتواترة عند من يجيزه : عدم ردّ القراءة المرجوحة.(١)
وأما الترجيح الذي سرت عليه في هذا البحث فهو : اعتماد أحد الأقوال في تفسير الآية لدليل، أو لتضعيف وردّ ما سواه.(٢)
ثالثاً : الفرق بين الاختيار والترجيح :
سبق التنبيه على أن عمل المفسرين يدل على عدم تفريقهم بين الاختيار والترجيح، وقد نهجت بعض الدرسات العلمية المتأخرة منهج التفريق بينهما ؛ لأن كل لفظ له دلالته في اللغة، كما أنّ ذلك يفيد في التمييز بين الترجيحات الواردة في كتب التفسير ؛ فإنها ليست على مرتبة واحدة.
ومن خلال التعريفين السابقين للاختيار والترجيح، الّذَيْن اعتمدتهما في هذه الدراسة يتضح أن بينهما فرقاً من وجهين :
أحدهما : أن الترجيح تقوية لأحد الأقوال ؛ ليُعلم الأقوى ؛ فيُعمل به، ويُطرح الآخر. بخلاف الاختيار ؛ فإنه ميل إلى المختار، وليس فيه طرح للأقوال الأخرى.
ومما يؤيد هذا التفريق ما ذكره الأصوليون في مسائل الترجيح ؛ فقد نص بعضهم على أنه إذا تحقق الترجيح وجب العمل بالراجح وإهمال الآخر.(٣)

(١) انظر معجم مصطلحات علمي التجويد والقراءات للدكتور إبراهيم بن سعيد الدوسري ص٤٠-٤١.
(٢) ذكره الدكتور حسين الحربي في كتابه قواعد الترجيح عند المفسرين ١/٣٥ بلفظ :( تقوية أحد الأقوال في تفسير الآية لدليل أو قاعدة تقويه، أو لتضعيف أو ردّ ما سواه ).
(٣) انظر تقرير ذلك في البحر المحيط للزركشي ٨ /١٤٥.


الصفحة التالية
Icon