كما يؤيده أيضاً ما اتفق عليه الأصوليون من كون الجمع بين الدليلين أولى من الترجيح؛ لأن في الترجيح إسقاطاً لأحدهما.(١)
والثاني : أن الترجيح يكون بين الأقوال المقبولة وغير المقبولة، والصحيحة والضعيفة. وأما الاختيار فلا يكون إلا بين الأقوال المقبولة في تفسير الآية.
ويُبنى على هذا أن الاختلاف بين الأقوال في الترجيح يكون في الغالب من اختلاف التضاد، بخلاف الاختيار ؛ فإن الاختلاف بين الأقوال فيه إنما يكون من اختلاف التنوع.
٢- أثر الاختيارات والترجيحات في علم التفسير :
لدراسة الاختيارات والترجيحات، ومعرفة الأقوال الراجحة والمختارة في تفسير الآيات أهمية في التفسير من وجوه كثيرة، أهمها:
الوجه الأول : أن تحقيق أقوال المفسرين، والتمييز بينها، ومعرفة مراتبها من مقاصد علم التفسير. وقد نص على ذلك بعض المفسرين، ومنهم ابن جزي الكلبي(٢) ؛ فقد ذكر في مقدمة تفسيره أن من مقاصد تصنيفه : تحقيق أقوال المفسرين السقيم منها والصحيح، وتمييز الراجح من المرجوح. قال مبيناً وجه هذه المقصد :( وذلك أن أقوال الناس على مراتب، فمنها الصحيح الذي يعول عليه، ومنها الباطل الذي لا يلتفت إليه، ومنها ما يحتمل الصحة والفساد، ثم إن هذا الاحتمال قد يكون متساوياً أو متفاوتاً، والتفاوت قد يكون قليلاً أو كثيراً..) (٣)

(١) انظر الجامع لأحكام القرآن ١٠/٣٠٥.
(٢) هو : محمد بن أحمد بن محمد بن عبد الله بن جزي الكلبي، فقيه أصولي لغوي، حُفَظَةٌ للتفسير، مستوعباً للأقوال، جماعة للكتب. من كتبه : التسهيل لعلوم التنْزيل، والبارع في قراءة نافع، ولد سنة ٦٩٣هـ، وتوفي سنة ٧٤١هـ. انظر : طبقات المفسرين للداوودي ٢/٨٥-٨٧، والأعلام ٥/٣٢٥.
(٣) انظر التسهيل لعلوم التنزيل ١/٥.


الصفحة التالية
Icon