وما ذكره ابن جزي لا يتحقق، ولا يعلم إلا بدراسة مواضع الخلاف وتحقيق مراتب الأقوال، وبيان منزلتها. وهذا هو المقصود الأهم من دراسة الاختيارات والترجيحات.
الوجه الثاني : أن دراسة الاختيارات والترجيحات، وبيان الراجح من الأقوال والروايات يعدّ أحسن طرق حكاية الخلاف. قال الإمام ابن تيمية تعليقاً على قول الله - عز وجل - :﴿ سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِراً وَلا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً ﴾ (الكهف: ٢٢)، بعد أن بيّن أنها اشتملت على الأدب في هذا المقام - مقام حكاية الخلاف - :( فهذا أحسن ما يكون في حكاية الخلاف : أن يستوعب الأقوال في ذلك المقام، وأن ينبه على الصحيح منها، ويبطل الباطل، ويذكر فائدة الخلاف وثمرته لئلا يطول النزاع والخلاف فيما لا فائدة تحته، فيشتغل به عن الأهم.
فأما من حكى خلافاً في مسألة، ولم يستوعب أقوال الناس فيها، فهو ناقص ؛ إذ قد يكون الصواب في الذي تركه. أو يحكي الخلاف ويطلقه، ولا ينبه على الصحيح من الأقوال ؛ فهو ناقص أيضاً. فإن صحح غير الصحيح عامداً فقد تعمد الكذب، أو جاهلاً فقد أخطأ.