وقد يسّر الله - عز وجل - لهذه الأقوال من يجمعها - كما سبق بيان ذلك بالتفصيل في مقدمة البحث -، وقد بلغ بعض هذه المجاميع ستة مجلدات كبار، فيها قريب من ثلاثة آلاف صفحة. وقد كتب الله - عز وجل - لها من القبول ما كتب، حتى تسابق إليها الراغبون في العلم الحريصون على تحصيله، فانتفعوا بها انتفاعاً عظيماً. ولعل هذا من دلائل إخلاص ابن القيم، ومن علامات القبول له في الأرض.
المبحث الثاني : منهجه في التفسير :
بيان منهج ابن القيم في التفسير يقتضي الإشارة إلى منهجه في التصنيف عموماً ؛ لأن تفسيره متفرق في تصانيفه المتنوعة، ومبثوث في أبواب من العلم المختلفة. ولذلك رأيت أن يكون بيان منهجه في التفسير من خلال الجانبين التاليين :
الجانب الأول : منهجه في البحث والتأليف :
خصّص الشيخ بكر أبو زيد لهذا الجانب موضوعاً مستقلاً في كتابه :" ابن قيّم الجوزية : حياته، وآثاره، وموارده "، وبيّن أن مؤلفاته انفردت بخصائص ظاهرة، وسمات بارزة تميزت بها من بين مؤلفات علماء عصره.
وقرر أن هذه الخصائص، وتلك الميزات أصبحت منهجاً يسير عليه رواد المدرسة السلفية في البحث والتصنيف.
وقد ذكر أنه قد وجد بالتتبع أن أهم تلك الخصائص والمميزات :
الأولى : الاعتماد على الأدلة من الكتاب والسنة.
الثانية : تقديم أقوال الصحابة رضي الله عنهم على من سواهم.
الثالثة : السعة والشمول، أو الموسوعية.
الرابعة : حرية الترجيح والاختيار.
الخامسة : الاستطراد التناسبي.
السادسة : العناية بتفهم محاسن الشريعة، وإبراز حكمة التشريع.
السابعة : عنايته بعلل الأحكام، ووجوه الاستدلال.
الثامنة : الحيوية والمشاعر الفيّاضة بأحاسيس مجتمعه.
التاسعةً : الجاذبية في أسلوبه وبيانه.
العاشرة : حسن الترييب والسياق.
الحادية عشر : ظاهرة التواضع، والضراعة والابتهال.
الثانية عشر : التكرار.