وذكر عدة وجوه لبيان الطريق الأول، أولها : أن النبي - ﷺ - بيّن لأصحابه القرآن : ألفاظه ومعانيه ؛ فبلغهم معانيه كما بلغهم ألفاظه، ولا يحصل البيان والبلاغ المقصود إلا بذلك. ثم استرسل في تقرير هذه المسألة(١)، ومما قاله في ذلك :
(١) مسألة القدر الذي فسّره النبي - ﷺ -، وهل فسّر القرآن كله أو بعضه ؟ مسألة مشهورة. انظر خلاف العلماء فيها في كتاب التفسير والمفسرون للدكتور محمد الذهبي ١/٥١-٥٧. وقد يسّر الله لي بحث هذه المسألة، وظهر لي أن الخلاف فيها أشبه ما يكون بالخلاف اللفظي ؛ وبيان ذلك باختصار : أن الذي يتأمل القولين في هذه المسألة لا يجد تعارضاً ظاهراً بين القولين، وإذا كانت أدلة كل فريق لا تسلم من نقد، ولا تخلو من تكلف في حملها على معنى لا تدل عليه ؛ فإن هذا يعني أن الحق ليس مع فريق منهما دون الآخر. والحق الذي لا مراء فيه أن رسول الله - ﷺ - كان عليه البيان لأمته - وقد قام بذلك على أكمل وجه - ولكن الصحابة كانوا عرباً يفهمون القرآن الذي نزل بلغتهم، والذي يحتاجون إلى بيانه منه هو ما خفي معناه لسبب من الأسباب، وهذا هو الذي كان يفسره النبي - ﷺ - لهم، ويزيل خفاءه، ويبيّن إجماله. وعلى هذا يحمل قول القائلين بأنه عليه الصلاة والسلام قد بيّن كل معاني القرآن. أي كل معانيه التي تحتاج إلى بيان. وهذا هو البعض الذي ذكر أصحاب الفريق الثاني أن النبي - ﷺ - لم يفسر غيره. وقد توسع عبدالباسط خليل في كتابه :"التفسير النبوي للقرآن الكريم وفضائله" في هذه المسألة، وأفردها بفصل مستقل ذكر فيه الخلاف بين العلماء قديماً وحديثاً، ثم ذكر رأيه فيها. وهو قريب مما ذكرته هنا.