فمن قال : إنه لم يبلغ الأمة معاني كلامه وكلام ربه بلاغاً مبيناً، بل بلغهم ألفاظه، وأحالهم في فهم معانيه على ما يذكره هؤلاء ؛ لم يكن قد شهد له بالبلاغ...
وأما أهل العلم والإيمان فيشهدون له بما شهد الله به، وشهدت به ملائكته، وخيار القرون : أنه بلّغ البلاغ المبين القاطع للعذر، المقيم للحجة، الموجب للعلم واليقين لفظاً ومعنىً. والجزم بتبليغه معاني القرآن والسنة كالجزم بتبليغه الألفاظ، بل أعظم من ذلك ؛ لأن ألفاظ القرآن والسنة إنما يحفظه خواص أمته، وأما المعاني التي بلغها فإنه يشترك في العلم بها الخاصة والعامة....
فالصحابة أخذوا عن رسول الله - ﷺ - ألفاظ القرآن ومعانيه، بل كانت عنايتهم بأخذ المعاني عنه أعظم من عنايتهم بالألفاظ، وكانوا يأخذون المعاني أولاً، ثم يأخذون الألفاظ ليضبطوا بها المعاني حتى لا تشذ عنهم....
فإذا كان الصحابة تلقوا عن نبيهم معاني القرآن كما تلقوا عنه ألفاظه لم يحتاجوا بعد ذلك إلى لغة أحد... )
ثم استطرد في تقرير هذه المسألة، وهي أن النبي - ﷺ - قد بلغ لأصحابه معاني القرآن، وبين ذلك لهم أتم البيان وأكمله.
ثم ذكر فضل الصحابة على بعدهم في هذا الباب، ومنزلة تفسيرهم، وأن الرجوع إلى أقوالهم من أهم طرق التفسير المعتبرة عند أهل السنة. ومما قاله في هذا المقام :
( الصحابة رضي الله عنهم قد سمعوا من الرسول - ﷺ - الأحاديث الكثيرة، ورأوا منه الأحوال الشاهدة، وعلموا بقلوبهم من مقاصده ودعوته ما يوجب لهم فهم ما أراد بكلامه ما يتعذر على من بعدهم مساواتهم فيه ؛ فليس من سمع وعلم ورأى حال المتكلم كمن كان غائباً لم ير ولم يسمع، أو سمع وعلم بواسطة أو وسائط كثيرة.