المعلم الثالث : جمعه في تفسيره بين المأثور والمعقول في التفسير، واعتماده الرأي المحمود:
ابن القيم رحمه الله أوتي من العلم والحكمة نصيباً وافراً، فجمع في علمه بين المأثور والمعقول، وكان في ذلك من ( الأئمة الذين عقلوا عن الله تعالى كتابه، وفهموا مراده، وبلغوه إلى الأمة، واستنبطوا أسراره وكنوزه، فهؤلاء مثل الأرض الطيبة التي قبلت الماء، فانبتت الكلأ والعشب الكثير، فرعى الناس فيه ورعت أنعامهم، وأخذوا من ذلك الكلأ الغذاء والقوت والدواء وسائر ما يصلح لهم.) (١)
كما أنه رحمه الله يعدّ من طبقة العلماء الذين وصفهم بقوله :( فهذه الطبقة كان لها قوة الحفظ، والفهم في الدين، والبصر بالتأويل ؛ ففجرت من النصوص أنهار العلوم واستنبطت منها كنوزها، ورزقت فيها فهماً خاصاً، كما قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ـ وقد سئل : هل خصكم رسول الله - ﷺ - بشيء دون الناس ؟ فقال ـ : لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، إلا فهماً يؤتيه الله عبداً في كتابه(٢).)(٣)
وإذا كان الأمر كذلك ؛ فقد ظهرت شخصية ابن القيم الموسوعية في تفسيره، فكان يجمع فيه المأثور بأنواعه، ثم يُعمل عقله، ويبدي رأيه في تحليل تلك النصوص المأثوره، ويجتهد في التوفيق بين الأقوال التي ظاهرها الاختلاف، ويرد منها ما لم تثبت صحته، وما ظهر له مخالفته للأصول المعتبرة، والقواعد المقررة.
وقد بيّن رحمه الله أنواع الرأي، وذكر أن منه المحمود، ومنه المذموم، ومن المشتبه، وذكر ما يدخل في كل نوع منها بالتفصيل.(٤)
كما بيّن أقسام الناس في اعتبار الرأي، وذكر أنهم ثلاثة أقسام : طرفان مفرطان مذمومان، ووسط مصيب محمود.

(١) اجتماع الجيوش الإسلامية ص٧٢.
(٢) أخرجه البخاري - كتاب الجهاد والسير - باب فكاك الأسير - رقم ٣٠٤٧.
(٣) الوابل الصيب ص١٣٦.
(٤) انظر تفصيل ذلك في كتاب إعلام الموقعين ٢/١٢٤-١٥٨.


الصفحة التالية
Icon