فالطرف الأول : أصحاب القياس وأهل الرأي، الذين حمّلوا النصوص من المعاني فوق ما حملها الشارع، وقصّروا في حفظ النصوص وتمحيصها.
والطرف الثاني : أصحاب الألفاظ وأهل الظواهر، الذين قصروا بمعانيها عن مراد الشارع، وبالغوا في ذم الرأي، بل وأنكروا القياس الصحيح.
والوسط المحمود : أهل الفهم والاستنباط، الذين هم أهل العلم حقيقة ؛ فجمعوا بين تعظيم النصوص وحفظها، وفهم معانيها والاستنباط منها.(١)
وقد حرر ابن القيم مسألة حكم التفسير بالرأي، وجمع بين النصوص التي ورد فيها ذم القول بالرأي في تفسير القرآن، والآثار التي ثبتت في تفسير الصحابة ومن بعدهم له بالرأي؛ فقال :(... عن الشعبي قال : سئل أبو بكر عن الكلالة : فقال : إني سأقول فيها برأيي، فإن يكن صواباً فمن الله، وإن يكن خطأ فمني ومن الشيطان، أراه ما خلا الوالد والولد.(٢)
فإن قيل : كيف يجتمع هذا مع ما صح عنه من قوله : أي سماء تظلني، وأي أرض تقلني إن قلت في كتاب الله برأيي ؟(٣)، وكيف يجامع هذا الحديث الذي تقدم :" من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار "(٤)؟
(٢) أخرجه ابن جرير في تفسيره ٨/٥٣-٥٤، والخطيب البغدادي في الفقيه والمتفقه ١/٤٩٠، وقال محققه : رجاله ثقات، إلا أن الشعبي لم يدرك أبا بكر. وانظر تخريجه هذا الأثر في تعليق محقق إعلام الموقعين ٣/١٢٦-١٢٧ [ حاشية ] وقد حكم عليه بالانقطاع.
(٣) أخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن ٢/٢١١، وابن جرير ١/٧٨.
(٤) أخرجه أحمد في مسنده ٥/١٢٢، ١٥٥ رقم ٢٩٧٤، ٣٠٢٤، والترمذي في جامعه - كتاب تفسير القرآن - باب ما جاء في الذي يفسر القرآن برأيه - رقم ٢٩٥١، وقال : هذا حديث حسن. وإسناد الحديث ضعيف، وقد ذكر طرقه ابن كثير في مقدمة تفسيره ١/١٢٢-١٢٥ [ بتحقيق الحويني ]، وانظر السلسلة الضعيفة للألباني رقم ١٧٨٣.