فالجواب أن الرأي نوعان :
أحدهما : رأي مجرد لا دليل عليه، بل هو خرص وتخمين ؛ فهذا الذي أعاذ الله الصديق والصحابة منه.
والثاني : رأي مستند إلى استدلال واستنباط من النص وحده، أو من نص آخر معه ؛ فهذا من ألطف فهم النصوص وأدقه، ومنه رأيه في الكلالة أنها ما عدا الوالد والولد.)(١)
المعلم الرابع : عنايته بالاستنباط، وذكر فوائد الآيات :
وهذا المعلم من أهم معالم منهج ابن القيم في التفسير فيما ظهر لي(٢) ؛ فقد أولى عناية بالغة بهذا الجانب، وذكر في تفسيره للقرآن من الاستنباطات والفوائد والأحكام ما يدل على سعة علمه، ودقة فهمه، وعمق نظره.
وقد قرر رحمه الله أن من أنواع الرأي المحمود : الرأي الذي يفسر النصوص، ويبيّن وجه الدلالة منها، ويقررها ويوضح محاسنها، ويسهل طريق الاستنباط منها، قال :( وهذا هو الفهم الذي يختص الله سبحانه به من يشاء من عباده.)(٣)
ومن تأصيلاته المهمة لموضوع الاستنباط، ما ذكره بقوله :( وقد مدح الله تعالى أهل الاستنباط في كتابه، وأخبر أنهم أهل العلم.
ومعلوم أن الاستنباط إنما هو استنباط المعاني والعلل ونسبة بعضها إلى بعض، فيعتبر ما يصح منها بصحة مثله ومشبهه ونظيره، ويلغى ما لا يصح، هذا الذي يعقله الناس من الاستنباط...
(٢) مع أني لم أرَ الذين درسوا منهجه اعتنوا بإبراز هذا المعلم، وإن كان بعضهم قد نبّه عليه باختصار.
(٣) انظر المصدر السابق ٢/١٥٣.