ومعلوم أن ذلك قدر زائد على مجرد فهم اللفظ ؛ فإن ذلك ليس طريقة الاستنباط، إذ موضوعات الألفاظ لا تنال بالاستنباط، وإنما تنال به العلل والمعاني والأشباه والنظائر ومقاصد المتكلم، والله سبحانه ذم من سمع ظاهراً مجرداً فأذاعه وأفشاه، وحمد من استنبط من أولي العلم حقيقته ومعناه.(١)
ويوضحه أن الاستنباط استخراج الأمر الذي من شأنه أن يخفي على غير مستنبطه، ومنه استنباط الماء من أرض البئر والعين، ومن هذا قول علي ابن أبي طالب رضي الله عنه وقد سئل : هل خصكم رسول الله - ﷺ - بشيء دون الناس ؟ فقال : لا، والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إلا فهماً يؤتيه الله عبداً في كتابه.(٢)
ومعلوم أن هذا الفهم قدر زائد على معرفة موضوع اللفظ وعمومه أو خصوصه ؛ فإن هذا قدر مشترك بين سائر من يعرف لغة العرب، وإنما هذا فهم لوازم المعنى ونظائره ومراد المتكلم بكلامه ومعرفة حدود كلامه، بحيث لا يدخل فيها غير المراد، ولا يخرج منها شيء من المراد.)(٣)
ثم ذكر أمثلة تطبيقية للاستنباط من آيات الكتاب تقرر ما أصّله، وتوضح ما أشار إليه.(٤)
وقد وضع ابن القيم شروطاً لقبول الاستنباط، وبيّن أن لا يحسُن إلا إذا جمعها، فقال :(... وتفسير الناس يدور على ثلاثة أصول :
" تفسير على اللفظ. وهو الذي ينحو إليه المتأخرون.
" وتفسيره على المعنى. وهو الذي يذكره السلف.

(١) يشير إلى قوله تعالى :﴿ وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ ﴾ (النساء: من الآية٨٣).
(٢) سبق تخريجه قريباً.
(٣) إعلام الوقعين ٢/٣٩٧.
(٤) المصدر السابق ٢/٣٩٨-٤٠٠.


الصفحة التالية
Icon