" وتفسير على الإشارة والقياس. وهو الذي ينحو إليه كثير من الصوفية وغيرهم. وهذا لا بأس به بأربعة شرائط : أن لا يناقض معنى الآية، وأن يكون معنى صحيحاً في نفسه، وأن يكون في اللفظ إشعار به، وأن يكون بينه وبين معنى الآية ارتباط وتلازم.
فإذا اجتمعت هذه الأمور الأربعة كان استنباطاً حسناً.)(١)
وهو إذ يذكر تلك الفوائد والاستنباطات ينطلق من أساس متين قد اقتنع به، وهو أن الإيمان لا يتمكن من القلب، ويرسخ فيه إلا بدوام التفكر في كتاب الله، والتدبر لآياته.
قال رحمه الله في تقرير ذلك :( ورأس الأمر وعموده في ذلك إنما هو دوام التفكر وتدبر آيات الله، بحيث يستولي على الفكر، ويشغل القلب ؛ فإذا صارت معاني القرآن مكان الخواطر من قلبه، وهي الغالبة عليه، بحيث يصير إليها مفزعه وملجؤه، تمكّن حينئذ الإيمانُ من قلبه، وجلس على كرسيه، وصار له التصرف، وصار هو الآمر المطاع أمره ؛ فحينئذ يستقيم له سيرُه، ويتضح له الطريق، وتراه ساكناً وهو يباري الريح :﴿ وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ ﴾ (النمل: من الآية٨٨).)
ثم قال :( فإن قلت : إنك قد أشرت إلى مقام عظيم فافتح لي بابه، واكشف لي حجابه، وكيف تدبرُ القرآن وتفهمُه والإشراف على عجائبه وكنوزه ؟ وهذه تفاسير الأئمة بأيدينا فهل في البَينِ غير ما ذكروه ؟.
قلت : سأضرب لك أمثالا تحتذي عليها، وتجعلها إماماً لك في هذا المقصد.

(١) التبيان في أيمان القرآن ص٨٥.


الصفحة التالية
Icon