وابن القيم من أهل الدراية بالحديث وعلومه، وله في ذلك جهود مشكورة، وقد كُتب في ذلك عدة دراسات - سبق ذكر بعضها -.
ومن الأمور التي نبّه عليها ابن القيم عند تفسير القرآن بالسنة ما ذكره بقوله :( وإنما يحسن الاستدلال على معاني القرآن بما رواه الثقات ورثة الأنبياء عن رسول الله - ﷺ -.)(١)
ومن الأمور التي قررها : أن الحديث الموضوع يعرف بكون الشواهد الصحيحة دالة على بطلانه، ومثل لهذا بقوله :( كحديث عوج بن عنق الطويل الذي قصد واضعه الطعن في أخبار الأنبياء بأنهم يخبرون بمثل هذه الأخبار ؛ فإن في هذا الحديث : أن طوله كان ثلاثة آلاف ذراع، وثلاث مئة وثلاثة وثلاثين وثلثاً، وأن نوحاً لما خوفه الغرق، قال له : احملني في قصعتك هذه، وأن الطوفان لم يصل إلى كعبه، وأنه خاض البحر، فوصل إلى حجزته، وأنه كان يأخذ الحوت من قرار البحر فيشويه في عين الشمس، وأنه قلع صخرة عظيمة على قدر عسكر موسى، وأراد أن يرضخهم بها، فطوقها الله في عنقه مثل الطوق لِلَّهِ.(٢)
وليس العجب من جرأة مثل هذا الكذاب على الله، إنما العجب ممن يدخل هذا الحديث في كتب العلم من التفسير وغيره، ولا يبيّن أمره.

(١) مختصر الصواعق المرسلة ٤/١٤٠٨.
(٢) هذه القصة الغريبة ذكرها بعض المفسرين، ومنهم ابن جرير في تفسيره، والبغوي عند تفسيرهم لقول الله - عز وجل - :﴿ وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرائيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيباً ﴾ (المائدة: من الآية١٢)، وقد نص ابن كثير على بطلانها، وأنه يُستحيى من ذكرها. انظر تفصيل هذه القصة وبيان بطلانها في كتاب : الإسرائيليات والموضوعات في كتب التفسير للدكتور محمد أبوشهبة ص١٨٥-١٨٧.


الصفحة التالية
Icon