الميزة السابعة : أنه يحرص في تفسيره على الإضافة إلى ما ذكره السابقون، والانطلاق من حيث انتهى المتقدمون :
وهذه الميزة في نظري من أخص المزايا التي تُميِّز تفسيرَ ابن القيم، وتُظهرُ شخصيتَه كمفسر مجتهد ؛ وذلك أنّي لما قطعت شوطاً طويلاً في دراسة اختياراته تبيّن لي ما قد يخالفني فيه غيري من الباحثين، أو قد يبدو في أول الأمر بخساً لابن القيم، أو تقليلاً من شأن تفسيره، بينما أعدّه ميزة من مزايا تفسيره :
وما تبيّن لي، واقتنعت به أنه رحمه الله عندما يتعرض للمباحث التفسيرية التي هي صلب التفسير من المباحث اللفظية، وذكرِ الأقوال والموازنة بينها ؛ فإنه معدود في هذا الباب من متوسطي المفسرين في الغالب، ولا يصل إلى درجة أئمة التفسير البارزين كابن جرير، وابن عطية، ومن في طبقتهما.
وأما فيما بعد ذلك من استخراج كنوز نصوص القرآن، واستنباط فوائدها، وإبراز أسرارها، والعناية بمقاصدها ؛ فهو البحر الذي لا ساحل له، والإمام الذي يجارى، والمُبرِّز الذي لا يبارى.
فهو رحمه الله يعلم أن المفسرين قد أشبعوا تلك المسائل التفسيرية بحثاً، وأولوها عناية كبيرة، ووصلوا فيها إلى نتائج قد لا يستطيع من بعدهم الوصول إليها. والمطلوب الأهم ممن بعدهم أن يُتمُوا البناء، ويجبروا النقص، لا أن يكرروا ما سبق ذكره. وهذا ما تميز به ابن القيم ؛ فهو يعتمد ما ذكره المتقدمون، ويحققه ليجبر خلله ونقصه، ثم يجتهد في إتمامه وتكميله ليصل به إلى الهدف المنشود، والغاية المرجوة.
وهذا ما جعل لتفسير ابن القيم طابعه الخاص، وأسلوبه المميز.
الفصل الثاني : منهج ابن القيم في الاختيار في التفسير :
مما يجدر التنبيه عليه - بين يدي كتابة مباحث هذا الفصل والذي يليه - أن ابن القيم رحمه الله لم يفرّق في تفسيره بين الاختيار والترجيح، بل كان على المنهج السائد الذي عليه عمل المفسرين.