وقد راعيت في خطة البحث التي تقدمت بها ابتداءً هذا الأمر، وجعلت منهجه في الاختيار والترجيح فصلاً واحداً ؛ لأن التفريق بينهما من منهجي أنا في الدراسة، وليس من منهجه هو في تفسيره. ولكن تم تعديل الخطة في أحد المجالس العلمية، وطلب مني تغييرها، ولم أجد بداً من قبول هذا التعديل لأسباب ليس هذا موضع ذكرها.
ولذلك سيجد الناظر في مباحث هذين الفصلين بعض المعلومات المكررة، والمسائل المشتركة. وهذا حصل بسبب هذا التقسيم الذي أرى أنه لا حاجة إليه، بل كان له أثر سلبي على البحث.
تمهيد : اهتمام ابن القيم بالاختيار والترجيح، ومنهجه العام في ذلك :
معرفة الصحيح من الأقوال من أهم ما يجب على طالب العلم أن يهتم به، والتمييزُ بين صحيح الأقوال وسقيمها هو العلم الحقيقي النافع لصاحبه.
هذا ما قرره ابن القيم، وأكد عليه في أكثر من موضع.
قال رحمه الله :( فليس العلم كثرة النقل والبحث والكلام، ولكن نور يميّز به صحيح الأقوال من سقيمها، وحقها من باطلها، وما هو من مشكاة النبوة مما هو من آراء الرجال... )(١).
وقال أيضاً :( أعلى الهمم في طلب العلم : طلب علم الكتاب والسنة، والفهم عن الله ورسوله نفس المراد، وعلم حدود المنزل.
وأخس همم طلاب العلم : قصرُ همته على تتبع شوّاذ المسائل، وما لم ينزل ولا هو واقع؛ أو كانت همته معرفة الاختلاف، وتتبع أقوال الناس، وليس له همة إلى معرفة الصحيح من تلك الأقوال... )(٢).
(٢) كتاب الفوائد ص١٥٢-١٥٣.