هذا من حيث التأصيل. أما من حيث التطبيق ؛ فابن القيم رحمه الله قل أن يتعرض لخلاف في مسألة من مسائل التفسير إلا ويحرص على الموازنة بين الأقوال فيها، وذكر الصحيح منها، أو المختار، كما يحرص على بيان الضعيف المردود منها، أو المفضول الذي لا ينبغي تقديمه على ما هو أولى منه.
وقد تبيّن لي من خلال التتبع لاختياراته وترجيحاته أن طريقته في ذلك لا تخرج عن هذه الأقسام :
القسم الأول : حكمه على جميع الأقوال بالصحة، وتأكيده على أن الآية تحتمل كل هذه الأقوال، أو أن هذه الأقوال تدور كلها حول معنى كلي واحد يجمع جميع معانيها.
وهذا القسم يعد الجانب الأظهر من جوانب الاختيار عن ابن القيم، وهو شديد الحرص على هذه الطريقة.
والأمثلة على هذا القسم كثيرة جداً، ومنها :
قوله في تفسير " الصراط المستقيم " وما هو ؟ :( وأما ما هو الصراط المستقيم ؟ فنذكر فيه قولاً وجيزاً ؛ فإن الناس قد تنوعت عباراتهم فيه، وترجمتهم عنه بحسب صفاته ومتعلقاته، وحقيقته شيء واحد : وهو طريق الله الذي نصبه لعباده على ألسن رسله وجعله موصلاً لعباده إليه، ولا طريق لهم إليه سواه، بل الطرق كلها مسدودة إلا هذا وهو : إفراده بالعبودية، وإفراد رسوله بالطاعة ؛ فلا يشرك به أحداً في عبوديته، ولا يشرك برسوله أحداً في طاعته ؛ فيجرد التوحيد ويجرد متابعة الرسول...
وهذا كله مضمون شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله.
فأي شيء فُسّر به الصراط فهو داخل في هذين الأصلين.)(١)
ومن أقواله القيّمة في هذا، وهي مشتملة على عدة أمثلة :( فقوله تعالى :﴿ وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ ﴾ (البقرة: من الآية١٨٦) يتناول نوعي الدعاء (٢)، وبكل منهما فسرت الآية :
قيل : أعطيه إذا سألني.
(٢) يقصد : دعاء المسألة، ودعاء العبادة.