وقيل : أثيبه إذا عبدني.
والقولان متلازمان ؛ وليس هذا من استعمال اللفظ المشترك في معنييه كليهما، أو استعمال اللفظ في حقيقته ومجازه، بل هذا استعمال له في حقيقته الواحدة المتضمنة للأمرين جميعاً ؛ فتأمله فإنه موضع عظيم النفع قل من يفطن له. وأكثر ألفاظ القرآن الدالة على معنيين فصاعداً هي من هذا القبيل.
ومثال ذلك قوله :﴿ أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ ﴾ (الاسراء: من الآية٧٨)، فُسِّر الدلوك بالزوال، وفسر بالغروب. وحكيا قولين في كتب التفسير وليسا بقولين، بل اللفظ يتناولهما معاً ؛ فإن الدلوك هو الميل، ودلوك الشمس ميلها ولهذا الميل مبدأ ومنتهى، فمبدأه الزوال، ومنتهاه الغروب. فاللفظ متناول لهما بهذا الاعتبار لا بتناول المشترك لمعنييه، ولا اللفظ لحقيقته ومجازه... )(١)
والأمثلة على هذا القسم كثيرة (٢)، ولم أدخل هذا القسم في الدراسة إلا إذا نص على تقديم أحد الأقوال التي تشملها الآية، أو نبّه على تأخر بعضها في الرتبة، أو كان في تصحيحه لجميع الأقوال نظر.
وجمعُ الأقوال الداخلة تحت هذا القسم ودراستها مهم، وهو جدير بدراسة مستقلة.
القسم الثاني : أن يذكر الأقوال في تفسير الآية : كلها أو أشهرها، ثم يذكر الراجح الصحيح منها، أو المختار المقدم. والغالب أنه يذكر سبب ترجيحه لما رجح، واختياره لما اختار. ولهذا أمثلة كثيرة أيضاً.
القسم الثالث : أن يذكر الأقوال في تفسير الآية، ثم يبيّن ضعف بعضها، ويحكم برده، أو بعدم صحته، أو بأنه ليس داخلاً في معنى الآية مع صحته معناه. وهذا يعني ترجيحه لبقية الأقوال، أو اختياره لها. ولهذا القسم أمثلة عديدة.

(١) بدائع الفوائد، وبدائع التفسير ٢/٢٢٠.
(٢) انظر بعضها في بدائع التفسير ١/٣٨٦، ٣٨٧، ٥٠٩، ٢/١٨، ٢٦-٢٨، ٣٣١ -٣٣٢، ٣٦٥-٣٦٦، ٤٢٦-٤٢٧، ٤٩٥-٤٩٦.


الصفحة التالية
Icon