إذا دار الخلاف بين معنيين أو أكثر، وأحد هذه المعاني هو المعهود في القرآن ؛ فحمل الآية على المعهود أولى. هذا ما قرره ابن القيم في أكثر من موضع (١)، ومنها قوله :(... بل المراد بالدعاء معناه المعهود المطرد في القرآن، وهو دعاء السؤال ودعاء الثناء )(٢). وهو يستعمل هذه القاعدة في الترجيح أكثر، ويطلق عليها كذلك : عرف القرآن. وسيأتي مزيد بيان لهذه القاعدة عند ذكر قواعد الترجيح عنده.
القاعدة الثالثة : حمل الآية على المعنى الموافق لنظائرها أولى، أو : المعنى الذي دلت عليه آيات أخرى أولى :
وقد بنى ابن القيم على هذه القاعدة بعض اختياراته في التفسير، حيث يذكر المعاني التي قيلت في الآية، ثم يختار المعنى الذي دلت عليه آيات أخرى ؛ فيقول مثلاً :( والذي يظهر من الآية أن معناها معنى نظرائها وأمثالها من الآيات... )(٣)، و :( فالآية لها حكم نظائرها... )(٤)، و :(... فحمله على موارده ونظائره كلها أولى )(٥).
وقد نبّهت في التعليق على أحد المواضع التي اعتمد فيها ابن القيم على هذه القاعدة على أمر يحتاج إلى تأمل، وهو : أن اختيار المعنى الذي دلت عليه آيات أخرى ليس على إطلاقه ؛ بل قد يمكن أن يقال : إن اختيار المعنى الجديد - إذا كان صحيحاً - أولى ؛ لأن فيه تكثيراً للمعاني الصحيحة التي تدل عليها الآيات. وإذا كان العلماء قد قرروا ذلك عند الكلام في معنيين دلت عليها الآية الواحدة، وقالوا : إن التأسيس أولى من التوكيد ؛ فلِمَ لا يقال ذلك بالنظر إلى القرآن كاملاً، وما دلت عليه آياته من معانٍ متعددة ؟.(٦)

(١) انظر المسألة الستين ص ٥٢٨.
(٢) انظر المسألة العشرين بعد المائة ص٨٩٨.
(٣) انظر المسألة الرابعة والستين ص ٥٥٧.
(٤) انظر المسألة السادسة والثمانين ص٧١٣.
(٥) انظر المسألة العاشرة ص ١٩٣.
(٦) انظر المسألة الرابعة والستين ص٥٦٣.


الصفحة التالية
Icon