أنّ استعمال الصيغ بطريقة صحيحة، واختيارَ المناسب منها لكل مسألة مما ينبغي أن يهتم به الباحث اهتماماً كبيراً ؛ لأنه يُبنى على استعمال هذه الصيغ، واختيارها أحكامٌ لها تأثير في تفسير كلام الله - عز وجل -، ويترتب عليها الحكمُ على أقوال قد نقلت عن أئمة معتبرين، وعلماء متبحرين ؛ وقد أمرنا الله - عز وجل - أن نكون قوامين بالقسط.
وغير خاف أن لكل صيغة دلالتها الحكمية ؛ فلا ينبغي أن تستعمل صيغة في موضع وغيرها أنسب منها، وأدل على المقصود.
وكلما ابتعد الباحث عن استعمال الصيغ العامة الجازمة كان ذلك أولى ؛ فالجزم بالحكم على قول في مسألة خلافية مشهورة بأنه الحق والصواب جزماً قاطعاً غيرُ مناسب ؛ لأن الحق قد يكون مع القول الآخر. وهكذا الجزم بأن مراد الله - عز وجل - من هذه الآية هو كذا، أو مقصود الآية كذا ؛ مما ينبغي أن يُتورع عنه إلا إذا كان بحجة بيّنة من جهة الوحي.
وقد ظهر لي من خلال دراسة ترجيحات ابن القيم في التفسير أن أكثر المآخذ عليه ناشئة من جهة أحكامه الصارمة، وخاصة إذا كانت بصيغة العموم، مثل :"ليس بشيء "، " لم يصنع شيئاً "، ونحو ذلك من الصيغ.
المطلب الثاني : أساليب الترجيح عند ابن القيم :
سبق ذكر المراد بالأساليب في الفصل السابق عند ذكر أساليب ابن القيم في الاختيار في التفسير. وأساليبه في الترجيح لا تختلف كثيراً عنها في الاختيار، وسأعيد ذكر ما استعمله من الأساليب السابقة في الترجيح مع ذكر الأمثلة عليها من ترجيحاته، وأذكر ما زاد عليها من أساليب استعملها في الترجيح، ولم يستعملها في الاختيار.
١. من أساليبه في الترجيح أن يذكر الأقوال في معنى الآية بإجمال من غير أن يذكر القائلين بكل قول، ثم يبيّن الراجح، مع بيان أسباب ترجيحه. (١)