وأكثر ما يستعمل ابن القيم هذه القاعدة في تضعيف الأقوال التي تخالف عرف القرآن، وفي هذا يقول :( للقرآن عرف خاص، ومعان معهودة، لا يناسبه تفسيره بغيرها، ولا يجوز تفسيره بغير عرفه، والمعهود من معانيه ؛ فإن نسبة معانيه إلى المعاني كنسبة ألفاظه إلى الألفاظ، بل أعظم ؛ فكما أن ألفاظه ملوك الألفاظ وأجلها وأفصحها، ولها من الفصاحة أعلى مراتبها التي يعجز عنها قدر العالمين، فكذلك معانيه أجل المعاني وأعظمها وأفخمها ؛ فلا يجوز تفسيره بغيرها من المعاني التي لا تليق به، بل غيرها أعظم منها وأجل وأفخم...
فتدبر هذه القاعدة، ولتكن منك على بال ؛ فإنك تنتفع بها في معرفة ضعف كثير من أقوال المفسرين وزيفها، وتقطع أنها ليست مراد المتكلم تعالى بكلامه. وسنزيد هذا إن شاء الله تعالى بياناً وبسطاً في الكلام على أصول التفسير ؛ فهذا أصل من أصوله، بل هو أهم أصوله.) (١)
وقال في موضع آخر - في سياق ذكره لأنواع التأويل الباطل - :( اللفظ الذي اطرد استعماله في معنى هو ظاهر فيه، ولم يعهد استعماله في المعنى المؤول، أو عهد استعماله فيه نادراً ؛ فتأويله حيث ورد، وحمله على خلاف المعهود من استعماله باطل ؛ فإنه يكون تلبيساً وتدليساً يناقض البيان والهداية. )(٢)
ومن الصور التطبيقية لاعتماد ابن القيم لهذه القاعدة في الترجيح : ردّ القول الذي يأباه عرف القرآن، قال رحمه الله - معللاً ضعف تفسير القوم بالملائكة في قول الله - عز وجل - ﴿ فَقَدْ وَكَّلْنَا بِهَا قَوْماً لَيْسُوا بِهَا بِكَافِرِينَ ﴾ (الأنعام: من الآية٨٩)- :(... وتأباه لفظة "قوماً"؛ إذ الغالب في القرآن - بل المطرد - تخصيص القوم ببني آدم دون الملائكة.)(٣).
(٢) الصواعق المرسلة ١/١٩٦.
(٣) انظر المسألة التاسعة والخمسين.