ولا يعرف في اللغة التي نزل بها القرآن أن الأفول هو الحركة البتة في موضع واحد...
وكتأويل قوله :﴿ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ ﴾ (لأعراف: من الآية٥٤) بأن المعنى : أقبلَ على خلق العرش ؛ فإن هذا لا يعرف في لغة العرب، بل ولا غيرها من الأمم : أن من أقبل على الشيء يقال :"قد استوى عليه"، ولا لمن أقبل على عمل من الأعمال من قراءة أو كتابة أو صناعة :"قد استوى عليها"، ولا لمن أقبل على الأكل :"قد استوى على الطعام".
فهذه لغة القوم وأشعارهم وألفاظهم، موجودة ليس في شيء منها ذلك البتة.
وهذا التأويل يبطل من وجوه كثيرة... ) (١)
ومما ذكره في هذا تقرير هذا الأصل قوله - في سياق ردّه لبعض التأويلات من هذا النوع - :( وكثير من هؤلاء ينشئ للفظ معنى، ثم يدعي إرادة ذلك المعنى بلفظ النص من غير نظر منه إلى استعمال ذلك اللفظ في المعنى الذي عيّنه، أو احتمال اللغة له. ومعلوم أن هذا يتضمن الشهادة على الله تعالى ورسوله - ﷺ - بأن مراده من كلامه كيت وكيت ؛ فإن لم يكن ذلك معلوماً بوضع اللفظ لذلك المعنى، أو عرف الشارع وعادته المطردة أو الغالبة باستعمال ذلك اللفظ في هذا المعنى أو تفسيره له به ؛ وإلا كانت شهادة باطلة، وأدنى أحوالها أن تكون شهادة بلا علم. ) (٢)
وقد قرر الإمام ابن تيمية في أكثر من موضع ما ذكره تلميذه هنا، ومما قاله :( ومن أعظم أسباب الغلط في فهم كلام الله ورسوله أن ينشأ الرجل على اصطلاح حادث، فيريد أن يفسر كلام الله بذلك الاصطلاح، ويحمله على تلك اللغة التي اعتادها... )(٣)

(١) انظر الصواعق المرسلة ١/١٨٩-١٩٢.
(٢) الوابل الصيب ورافع الكلم الطيب لابن القيم ص ٦٨-٦٩.
(٣) مجموع الفتاوي ١٢/١٠٦-١٠٧. وانظر للتوسع في هذه القاعدة كتاب : الحقيقة الشرعية في تفسير القرآن العظيم والسنة النبوية للدكتور محمد بن عمر بازمول ص١٣-٣٢.


الصفحة التالية
Icon