القاعدة السابعة : الأصل حمل كلام الله على ترتيبه المعروف إلا أن يدل دليل على التقديم والتأخير :
الأصل في الكلام عدم التقديم والتأخير ؛ فإن نظم الكلام الطبيعي المعتاد الذي علمه الله للإنسان - نعمة منه عليه - أن يكون جارياً على المألوف المعتاد منه، فالمقدم مقدم والمؤخر مؤخر ؛ فلا يفهم أحد قط من المضاف والمضاف إليه في لغة العرب إلا تقديم هذا وتأخير هذا، وحيث قدموا المؤخر من المفعول ونحوه، وأخروا المقدم من الفاعل ونحوه، فلا بد أن يجعلوا في الكلام دليلاً على ذلك لئلا يلتبس الخطاب.
هذا معنى ما قرره ابن القيم في هذا الباب، وقرر أيضاً أن العرب لا يأتون بالتقديم والتأخير إلا حيث لا يلتبس على السامع، ولا يقدح في بيان مراد المتكلم.
ثم ذكر أمثلة للتقديم والتأخير الذي لا يقدح في المعنى، ولا في الفهم. ثم قال :( وأما ما يدعى من التقديم والتأخير في غير ذلك، كما يدعي من التقديم في قوله :﴿ وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأى بُرْهَانَ رَبِّهِ ﴾ (يوسف: ٢٤)، وأن هذا قد تقدم فيه جواب لولا عليها ؛ فهذا أولاً لا يجيزه النحاة، ولا دليل على دعواه، ولا يقدح في العلم بالمراد.)(١)
ومن الأمثلة التطبيقية لهذه القاعدة ما ذكره في تفسير قول الله - عز وجل - :﴿ فَلا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلا أَوْلادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنْفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ ﴾ (التوبة: ٥٥).(٢)
القاعدة الثامنة : إذا احتمل الكلام الإضمار وعدمه ؛ فالأصل عدمه إلا بدليل. أو: ( الإضمار على خلاف الأصل ؛ فلا يصار إليه إلا إذا لم يمكن تصحيح الكلام بدونه.)(٣)
(٢) انظر المسألة الثامنة والسبعين.
(٣) شفاء العليل ٢/٧٦٩.