وهذا كلّه لا ينفي تأثرّ ابن القيّم ـ رحمه الله ـ بشيخه في كثير من المسائل والاختيارات والترجيحات، وليس عليه في ذلك لوم، فإنّ شيخ الإسلام ـ رحمه الله ـ لمّا كان وقّافاً عند كتاب الله وسنّة رسوله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ، شديد العناية بأقوال السلف؛ فإنّ أيّ عالم أو باحث متجرّد، يطّلع على كتب الشيخ واختياراته وترجيحاته، لا يسعه إلاّ أن يتأثّر بها، وينقاد لها، فما الظنّ بمن تتلمذ على يد الشيخ، ورآه بعينه، وسمعه بأذنه، وشاركه في سرّائه وضرّائه.
ويتجلّى أثر الشيخ على تلميذه ـ فيما يتعلّق بالاختيارات والترجيحات ـ فيما يلي:
١. أن يوافق الشيخ في اختياره أو ترجيحه، ولكن بأسلوبه هو وعبارته، وهذا هو الغالب.
٢. أن يوافق الشيخ فيذكر نصّ كلامه، مع تهذيب يسير، دون تصريح باسم الشيخ.
٣. أن يوافق الشيخ فيذكر نصّ كلامه بطوله مع زيادات طفيفة جدّاً، ثمّ يعقّب على ذلك ببحوث من عنده حول الآية.
٤. أن يوافق الشيخ فيذكر نصّ كلامه مصرّحاً باسمه، مثل أن يقول: " قال شيخنا "، ونحو ذلك.
٥. أن يوافق الشيخ، فيذكر قريباً من كلامه، ثمّ ينصّ في آخره على أنّ هذا هو اختيار الشيخ.
٦. أن يقتصر على ذكر اختيار الشيخ أو ترجيحه، ثمّ يدعم ذلك بالأدلّة والبراهين.
٧. أن يختلف قوله في الآية، فيوافق الشيخ في موضع، ويخالفه في آخر.
؟ مثال الأوّل: قوله تعالى: ﴿.. إنّما يتقبّل الله من المتّقين ﴾[ المائدة: ٢٧ ].
فقد قال ـ رحمه الله ـ: " وأحسن ما قيل في تفسير الآية: أنّه إنّما يتقبّل الله عمل من اتّقاه في ذلك العمل. وتقواه فيه أن يكون لوجهه، وعلى موافقة أمره.. "(١).

(١) مفتاح دار السعادة ( بيروت: دار الكتب العلميّة ): ١/ ٨٢، وينظر كلام الشيخ عن هذه الآية: الفتاوى =
الكبرى: ٢/٣٥٣، ٣٥٤. وللاستزادة ينظر: إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان ( بيروت: دار المعرفة ): ٢/٢٥٤، مع ص: ٢١٠ من هذه الرسالة، وطريق الهجرتين وباب السعادتين ( القاهرة: المطبعة السلفيّة ): ص٣١٦، ٣١٧، مع ص: ٢٠٣ من هذه الرسالة، وشفاء العليل في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل ( الرياض: مكتبة الرياض الحديثة ): ص٩٩، مع ص: ٢١٨ من هذه الرسالة، وإغاثة اللهفان أيضاً: ٢/٢٣٦، مع ص ٢٢٣ من هذه الرسالة، وجلاء الأفهام في الصلاة والسلام على خير الأنام ( بيروت: دار الكتب العلميّة ): ص١١٥، مع ص: ٢٦٠ من هذه الرسالة، ومدارج السالكين بين منازل إيّاك نعبد وإيّاك نستعين ( بيروت: دار الكتاب العربيّ ): ١/٤٨٣، مع ص: ٣٢٣ من هذه الرسالة، و٢/٤٨٢، ٤٨٣، مع ص: ٥٤٤ من هذه الرسالة، وزاد المعاد: ١/٣٥، ٣٦، مع ص: ٣٤٠، وروضة المحبّين ونزهة المشتاقين ( دمشق: مكتبة دار البيان ): ص٢٨٥، ٢٨٦، مع ص: ٤٨٦.


الصفحة التالية
Icon