وهذا القول هو الذي اختاره الشيخ ـ رحمه الله ـ، وعباراته قريبة من عبارات ابن كثير(١).
؟ قوله تعالى: ﴿ وإذ أخذ ربّك من بني ءادم من ظهورهم ذريّتهم.. ﴾[ الأعراف: ١٧٢ ].
فللعلماء في هذه الآية قولان، أحدهما: أنّ الأخذ والإشهاد على حقيقته، وأنّ الله استخرجهم وصوّرهم واستنطقهم. والثاني: أنّه من باب التمثيل والتخييل، وليس على حقيقته، فما ثمّ أخذ، ولا إشهاد، ولا استنطاق.
وقد سلك الشيخ ـ رحمه الله ـ مسلكاً وسطاً بين القولين؛ فاختار أنّ الأخذ والإشهاد على حقيقته، لكنّ المراد بالأخذ: أخذ المنيّ من أصلاب الآباء، ونزوله في أرحام الأمّهات. وهذا الأخذ مقرون به الإشهاد، حيث خُلقوا حين وُلدوا على الفطرة مقرّين بالخالق(٢).
وقد وافقه ابن كثير على ذلك، وذكر نحواً من كلامه(٣).
؟ قوله تعالى: ﴿ واعبد ربّك حتّى يأتيك اليقين ﴾[ الحجر: ٩٩ ].
عامّة المفسّرين مجمعون على أنّ المراد باليقين هنا: الموت. لكنّ الشيخ نبّه على قول من قال من الملاحدة إنّ المراد باليقين: المعرفة، فمتى وصل أحدهم إلى المعرفة؛ سقط عنه التكليف عندهم. وشدّد في إنكاره(٤).
وتابعه ابن كثير على ذلك، وذكر كلاماً مثله(٥).
من كلّ ما سبق يظهر أثر اختيارات الشيخ وترجيحاته على الحافظ ابن كثير ـ رحمه الله ـ، ومع هذا، فإنّ للحافظ ابن كثير شخصيّته المستقلّة، واختياراته التي خالف بها الشيخ، كما سبقت الإشارة إليه، ومن ذلك:
؟ قوله تعالى: ﴿.. لنخرجنّك يشعيب والذين ءامنوا معك من قريتنا أو لتعودُنّ في ملّتنا.. ﴾[ الأعراف: ٨٨ ].
فقد رجّح الشيخ ـ رحمه الله ـ أنّ شعيباً ـ عليه السلام ـ كان على ملّة قومه قبل أن يبعث إليهم(٦).

(١) ينظر: ص ٤٢١ من هذه الرسالة.
(٢) ينظر: ص ٤٢٧ من هذه الرسالة.
(٣) ينظر: تفسير القرآن العظيم: ٢/ ٢٦٤.
(٤) ينظر: ص ٦٩٣ من هذه الرسالة.
(٥) ينظر: تفسير القرآن العظيم: ٢/ ٥٦٠.
(٦) ينظر: ص ٤١١ من هذه الرسالة.


الصفحة التالية
Icon