وخالفه ابن كثير فاختار ـ حسب ما يظهر من كلامه ـ قول عامّة المفسّرين، وهو أنّ شعيباً لم يكن على ملّة قومه، وأنّ الخطاب في الآية مع الرسول، والمراد أتباعه الذين كانوا معه على الملّة(١).
؟ قوله تعالى: ﴿ إنّما النسي ء زيادة في الكفر.. ﴾[ التوبة: ٣٧ ].
فقد اختار الشيخ ـ رحمه الله ـ في معنى هذه الآية: قول مجاهد، وهو أنّ العرب كانوا يحجّون في كلّ سنة؛ في كل شهر عامين بسبب ما أحدثوه من النسيء، حتّى وافقت حجّة أبي بكر ـ رضي الله عنه ـ الآخر من العامين في ذي القعدة، ثمّ حجّ النبيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ من قابل في ذي الحجّة، فذلك قوله: " إنّ الزمان استدار كهيئته.. "(٢).(٣)
وخالف في ذلك ابن كثير، بل أنكر قول مجاهد الذي اختاره الشيخ، واختار أنّهم كانوا يقدّمون تحريم الشهر الثالث من الثلاثة المتوالية، وهو المحرّم. وتارة ينسئونه إلى صفر، مع بقاء سائر الأشهر على ما هي عليه(٤).
هذه بعض المواضع التي خالف فيها ابن كثير شيخه، وفي ذلك دليل على استقلاله في التفكير والرأي والاختيار، وإن كان أثر الشيخ ظاهراً عليه في مواضع أخرى كثيرة. والله تعالى أعلم.
﴿ المبحث الثالث ﴾
أثر اختيارات ابن تيميّة وترجيحاته في التفسير
على الحافظ ابن رجب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الحافظ ابن رجب ـ رحمه الله ـ لم يدرك شيخ الإسلام ابن تيميّة ـ رحمه الله ـ، فقد كان بين وفاة الشيخ، وولادة ابن رجب: ثمان سنوات(٥)، لكنّه أدرك تلميذه ابن القيّم ـ رحمه الله ـ وقد ذكر الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله ـ أنّ ابن رجب كان يفتي بمقالات ابن تيميّة كما سيأتي.

(١) ينظر: تفسير القرآن العظيم: ٢/ ٢٣٢.
(٢) سيأتي تخريجه في موضعه إن شاء الله تعالى ص ٥٠٧.
(٣) ينظر: ص ٥٠٧ من هذه الرسالة.
(٤) ينظر: تفسير القرآن العظيم: ٢/ ٣٥٧.
(٥) كانت وفاة الشيخ سنة ثمان وعشرين وسبع مئة، وولادة ابن رجب سنة ستّ وثلاثين وسبع مئة.


الصفحة التالية
Icon