؟ الثالث: أنّه ذكر ترجمة حافلة للشيخ، ولم ينقم عليه في شيء، بل بالغ في الثناء عليه، ومدحه، كما أنّه لازم تلميذه ابن القيّم، وتتلمذ عليه، وأثنى عليه وعلى شيخه(١).
وإن كان قد حصل شيء من ذلك، فمن المحتمل أن يكون قد فعل ذلك اتّقاء لأذى الخصوم وتسلّطهم، كما تسلّطوا على الشيخ وأتباعه من قبل، والله تعالى أعلم.
أثر اختيارات الشيخ وترجيحاته على ابن رجب:
لم يكن أثر الشيخ على الحافظ ابن رجب فيما يتعلّق بالاختيارات والترجيحات في التفسير، كأثره على سابقيه لأسباب، منها: عدم المعاصرة كما سبق، ومنها: أنّ الحافظ ابن رجب لم يكن له اهتمام كبير بالتفسير كسابقيه، فتفسيره للآيات قليل، وهو يأتي عرضاً. ومع ذلك فأثر الشيخ لم يكن خافياً في مواضع عدّة كما سيأتي. وهو يتجلّى في الصور التالية:
١. أن يوافق الشيخ في اختياره أو ترجيحه بعبارته هو، دون النصّ على اسم الشيخ. وهو الأكثر.
٢. أن يبسط الكلام في آية، ثمّ يذكر في آخره أنّه ملخّص من كلام الشيخ ـ رحمه الله ـ.
٣. أن يذكر قول الشيخ مصرّحاً باسمه، على سبيل الاستشهاد به، ثمّ يختاره.
٤. أن يوافق الشيخ في التنبيه على معنى في الآية انفرد به دون سائر المفسّرين.
٥. أن يقتصر على ذكر ترجيح الشيخ مع أقوال أخرى، دون ترجيح.
مثال الأوّل:
؟ قوله تعالى: ﴿ وعلى الله قصد السبيل.. ﴾[ النحل: ٩ ].
فقد اختار الشيخ في هذه الآية أنّ السبيل العادلة تنتهي إليه، قال ـ رحمه الله ـ: "فإنّ السبيل القصد هي السبيل العادلة. أي: عليه السبيل القصد. والسبيل اسم جنس، ولهذا قال: ( ومنها جائر )، أي: عليه القصد من السبيل، ومن السبيل جائر. فأضافه إلى اسم الجنس إضافة النوع إلى الجنس. أي: القصد من السبيل، كما تقول: ثوب خزّ. ولهذا قال: ( ومنها جائر ) "(٢).

(١) ينظر: الذيل على طبقات الحنابلة: ٢/ ٣٨٧.
(٢) ينظر: ص ٦٩٨ من هذه الرسالة.


الصفحة التالية
Icon