وفي موضع آخر، ذكر أنّ المراد بالعقود هنا: ما أمر الله به ورسوله، ممّا أحلّ وحرّم
عليهم(١)، ولا منافاة بينهما، بدليل تصديره هذا القول الأخير بـ ( قيل )، ممّا يشعر بوجود أقوال أخرى في معنى الآية. لكنّ تخصيصه هذا القول بالذكر ـ وإن ذكره بصيغة تفيد وجود غيره ـ هو نوع اختيار، دلّ عليه أمران، حسبما أفاده كلام الشيخ ـ رحمه الله ـ:
؟ أحدهما: كون سورة المائدة أجمع سورة في القرآن لفروع الشرائع، من التحليل والتحريم، والأمر والنهي، حتّى إنّ الله ذكر فيها من التحليل والتحريم والإيجاب، ما لم يذكر في غيرها(٢).
؟ الثاني: تصدير النبيّ ــ صلّى الله عليه وسلّم ـ هذه الآية كتابه الذي كتبه لعمرو بن حزم، لمّا بعثه عاملاً على نجران(٣).

(١) ينظر: مجموع الفتاوى: ٢٨/٦٤٨.
(٢) ينظر: المصدر السابق: ١٤/٤٤٨.
(٣) حديث عمرو بن حزم أخرجه مالك في الموطأ، في كتاب العقول، باب ذكر العقول: ص٧٣٧، برقم: ١٥٤٧ مرسلاً. ووصله أبو داود في المراسيل( بيروت: مؤسّسة الرسالة ): ٤/٢٩٩، والنسائي في السنن ( حلب: مكتب المطبوعات الإسلاميّة ): ٤/٢٤٥ من وجه آخر، وأعلاّه. وذكره ابن حبّان في صحيحه ( بيروت: مؤسّسة الرسالة ): ١٤/ ٥٠١. وقال ابن عبد البرّ: " روي مسنداً من وجه صالح، وهو كتاب مشهور عند أهل السير، معروف ما فيه، وأهل المعرفة تستغني بشهرته عن الإسناد، لأنّه أشبه التواتر في مجيئه لتلقّي الناس له بالقبول والمعرفة " ( التمهيد ( المغرب: وزارة عموم الأوقاف ): ١٧/٣٣٨ ). وقال الزرقاني: " اعتمد مالك والعلماء، والخلفاء قبلهم على ما في هذا الكتاب، ولم يرد عن الصحابة إنكار شيء منه " ( شرح الزرقاني على موطأ مالك ( بيروت: دار الكتب العلميّة ): ٢/ ١٥٥ ).
وعمرو بن حزم هو ابن زيد الأنصاري المديني، أبو الضحّاك، صحابي مشهور، شهد الخندق فما بعدها، وروى عدة أحاديث، توفي سنة إحدى وخمسين. ( ينظر: التاريخ الكبير للبخاري ( بيروت: دار الفكر ): ٦/٣٠٥، ومشاهير علماء الأمصار: ١/٢٢ ).


الصفحة التالية
Icon