وكذا قولهم: إنها العهود التي أخذها الله على أهل الكتاب، حتّى قالوا: إنّ المعنى: يا أيّها الذين آمنوا بالكتب المتقدّمة، أوفوا بالعهود التي عهدتها إليكم في شأن محمّد ـ ﷺ ـ، وهو قوله: ﴿ وإذ أخذ الله ميثق الذين أوتوا الكتب لتبيّننّه للناس..﴾[آل عمران: ١٨٧](١). وهذا خلاف معهود القرآن من إطلاق لفظ ( الذين آمنوا ) وإرادة المؤمنين بمحمّد ـ ﷺ ـ من هذه الأمّة، ثمّ إنّ سياق الآيات لا يدلّ عليه من قريب ولا بعيد، فإنّ قوله بعد ذلك: ﴿ أحلّت لكم بهيمة الأنعم.. ﴾، والآيات بعدها، لا يرتاب أحد أنّه خاصّ بالمؤمنين من هذه الأمّة. ولمّا أراد الله خطاب أهل الكتاب في السورة نفسها قال: ﴿ يا أهل الكتب.. ﴾[المائدة: ١٥]، وفي سورة النساء قال: ﴿ يأيّها الذين أوتوا الكتب.. ﴾[النساء: ٤٧].
وأمّا بقيّة الأقوال فهي محتملة، بل هي غير خارجة عن القول المختار. وبهذا يتبيّن أنّ ما اختاره الشيخ هو أقرب الأقوال إلى معنى الآية وأعدلها.
٢ ـ قوله تعالى: ﴿.. وما أهلّ لغير الله به.. ﴾[المائدة: ٣].
رجّح الشيخ ـ رحمه الله ـ عموم هذه الآية في كلّ ما ذبحه الكفّار لغير الله، أو ذبحوه باسم غير الله(٢).
فأمّا ما ذبحوه لغير الله، فلا خلاف في تحريمه. لكنّ الخلاف فيما ذبحه أهل الكتاب خاصّة، وسمّوا عليه غير الله، كالمسيح والزهرة(٣)، أو لم يسمّوا عليه أحداً؛ لكن قصدوا به المسيح أو الزهرة، أو غير ذلك؛ هل هو داخل في عموم الآية، أو هو داخل في عموم قوله تعالى: ﴿ وطعام الذين أوتوا الكتب حلّ لكم.. ﴾[المائدة: ٥] ؟.
(٢) ينظر: اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم: ٢/٥٥٨.
(٣) الزُهَرَة ( بفتح الهاء ): الكوكب المعروف، وكانوا يذبحون له. ينظر: لسان العرب: ٣/ ١٨٧٧، مادة:( زهر ).