وافق الشيخ في ذلك قولَ أكثر المفسّرين، إلاّ الطبريّ ـ رحمه الله ـ؛ فإنّه اختار أنّ قوله: ﴿ إلا ما ذكّيتم ﴾ عائد إلى قوله: ﴿ وما أهلّ لغير الله به ﴾ وما بعده، من المنخنقة والموقوذة.. وهو مرويّ عن بعض السلف، كقتادة(١)، وغيره.
وحجّته في ذلك: أنّ " كلّ ما سبق ـ ممّا ذكر ـ مستحقّ الصفة التي هو بها قبل حال موته، فيقال لما قرّب المشركون لآلهتهم؛ فسمّوه لهم هو ( ما أهلّ لغير الله به )، بمعنى: سمّي قرباناً لغير الله. وكذلك المنخنقة إذا انخنقت، وإن لم تمت، فهي منخنقة. وكذلك سائر ما حرّمه الله ـ جلّ وعزّ ـ بعد قوله: ﴿ وما أهلّ لغير الله به ﴾؛ إلا بالتذكية، فإنّه يوصف بالصفة التي هو بها قبل موته، فحرّمه الله على عباده، إلا بالتذكية المحلّلة، دون الموت بالسبب الذي كان به موصوفاً. فإذا كان ذلك كذلك، فتأويل الآية: وحرّم عليكم ما أهلّ لغير الله به، والمنخنقة، وكذا، وكذا، وكذا.. إلا ما ذكيتم من ذلك "(٢).
وهذا القول انفرد به الطبريّ ـ رحمه الله ـ، ولم أر من المفسّرين من ذكره.
وقد نُسب إلى الإمام مالك ـ رحمه الله ـ القول بأنّ الاستثناء منقطع، حتّى قال بعضهم: إنّ المعنى عنده: إلاّ ما ذكّيتم من غير هذه المذكورة، فكلوه(٣). وأنكر ذلك ابن عطيّة ـ رحمه الله ـ، وحقّق أنّ قول مالك في ذلك موافق للجمهور، إلا أنّه نازع في الحال التي تصحّ فيها الذكاة(٤).
(٢) جامع البيان: ٤/٤١٣.
(٣) ينظر: جامع البيان: ٤/٤١٢.
(٤) ينظر: المحرّر الوجيز: ٤/٣٣٨، ٣٣٩.