قال الشيخ رحمه الله: " وفي قوله: ﴿ وما ذبح على النصب ﴾ قولان، أحدهما: أنّ نفس الذبح كان يكون عليها كما ذكرناه، فيكون ذبحهم عليها تقرّباً إلى الأصنام. وهذا على قول من يجعلها غير الأصنام، فيكون الذبح عليها لأجل أنّ المذبوح عليها مذبوح للأصنام أو مذبوح لها. وذلك يقتضي تحريم كلّ ما ذبح لغير الله، ولأنّ الذبح في البقعة لا تأثير له إلا من جهة الذبح لغير الله، كما كرهه النبيّ ـ صلى الله عليه وسلّم ـ من الذبح في موضع أصنام المشركين، وموضع أعيادهم. وإنّما يكره المذبوح في القطعة المعيّنة لكونها محلّ شرك؛ فإذا وقع الذبح حقيقة لغير الله، كانت حقيقته قد وجدت فيه.
والقول الثاني: أنّ الذبح على النصب أي: لأجل النصب، كما يقال: أَوْلَمَ على زينب بخبز ولحم. وأطعم فلان على ولده، وذبح فلان على ولده، ونحو ذلك. ومنه: قوله تعالى: ﴿.. ولتكبّروا الله على ما هداكم.. ﴾[البقرة: ١٨٥]، وهذا ظاهر على قول من يجعل النصب نفس الأصنام. ولا منافاة بين كون الذبح لها، وبين كونها كانت تلوّث بالدم. وعلى هذا القول فالدلالة ظاهرة ".
إلى أن قال: " وفي الحقيقة؛ مآل القولين إلى شيء واحد.. ".
ثمّ قال: " وفيها قول ثالث ضعيف: أنّ المعنى: على اسم النصب. وهذا ضعيف؛ لأنّ هذا المعنى حاصل من قوله تعالى: ﴿وما أهلّ لغير الله به﴾[المائدة: ٣]، فيكون تكريراً. ولكنّ اللفظ يحتمله.."(١).
الدراسة، والترجيح:
وافق الشيخ في اختياره قول عامّة المفسّرين، إلاّ الواحديّ ـ رحمه الله ـ، فإنّه اختار القول الثالث ـ الذي حكم الشيخ بضعفه ـ، ولم يذكر غيره(٢).
ويؤيّده: ما أخرجه ابن جرير بسنده، عن ابن زيد(٣)،
(٢) ينظر: الوجيز: ١/٣٠٨.
(٣) هو أبو الحسن، علي بن زيد بن جدعان التيمي، القرشي، البصري، روى عن أنس بن مالك، وابن المسيب.
وروى عنه: قتادة، وشعبة، وضعّفه أحمد ويحيى، توفي سنة: تسع وعشرين ومئة. ( ينظر: تذكرة الحفاظ للقيسراني ( الرياض: دار الصميعي ): ١/١٤٠، وميزان الاعتدال: ٥/١٥٦ ).