هذا القول الذي رجّحه الشيخ، هو قول جمهور العلماء من السلف والخلف، وهو مذهب أبي حنيفة(١)، ومالك(٢)، وأحمد في آخر قوليه(٣).
والقول الثاني، قول الشافعي(٤)، وطائفة من أصحاب أحمد(٥).
وقد ذكر الشيخ ـ رحمه الله ـ أنّ منشأ الخلاف في هذه المسألة سببه: تنازع عليّ وابن عبّاس ـ رضي الله عنهم ـ في ذبائح نصارى بني تغلب، فقال عليّ ـ رضي الله عنه ـ: لا تباح ذبائحهم، ولا نساؤهم، فإنّهم لم يتمسّكوا من النصرانية إلا بشرب الخمر.. ، وقال ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ: بل تباح، لقوله تعالى: ﴿ومن يتولّهم منكم فإنّه منهم..﴾[المائدة: ٥١].(٦)
وقد انفرد عليّ بهذا القول، وهو حجّة أصحاب القول الثاني؛ فإنّهم " ظنّوا أنّ عليّاً ـ
رضي الله عنه ـ إنّما حرّم ذبائح بني تغلب ونساءهم لكونه لم يعلم أنّ آباءهم دخلوا في دين أهل الكتاب قبل النسخ والتبديل، وبنوا على هذا أنّ الاعتبار في أهل الكتاب بالنسب، لا بنفس الرجل، وأنّ من شككنا في أجداده هل كانوا من أهل الكتاب أم لا؛ أخذنا بالاحتياط، فحقنّا دمه بالجزية احتياطاً، وحرّمنا ذبيحته ونساءه احتياطاً "(٧).
أماّ الجمهور، فيرون أنّ عليّاً إنّما منع ذبائح بني تغلب لكونهم لم يتديّنوا أصلاً بدين أهل الكتاب، بل أخذوا منه حلّ المحرّمات فقط.

(١) ينظر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع للكاساني ( بيروت: دار الكتاب العربيّ ): ٥/٤٥.
(٢) ينظر: لم أقف على قوله.
(٣) ينظر: المغني: ١٠/٥٩٦.
(٤) ينظر: الأمّ ( بيروت: دار الفكر ): ٢/٢٥٤.
(٥) ينظر: المقنع لابن قدامة، مع الشرح الكبير، والإنصاف ( طبع على نفقة خادم الحرمين الشريفين، تحقيق د. التركي ): ٢٧/ ٢٨٧ ـ ٢٨٩.
(٦) ينظر: مجموع الفتاوى: ٣٥/ ٢١٩، ٢٢٠.
(٧) مجموع الفتاوى: ٣٥/ ٢٢٣.


الصفحة التالية
Icon