قال الشيخ ـ رحمه الله ـ: ".. الصواب المقطوع به أنّ كون الرجل كتابياً أو غير كتابيّ هو حكم مستقلّ بنفسه لا بنسبه، وكلّ من تديّن بدين أهل الكتاب فهو منهم، سواء كان أبوه أو جدّه دخل في دينهم أو لم يدخل، وسواء كان دخوله قبل النسخ والتبديل أو بعد ذلك "(١).
وقد استدلّ الشيخ على هذا القول بوجوه:
؟ أحدها: أنّه قد ثبت أنّه كان من أولاد الأنصار جماعة تهوّدوا قبل مبعث النبيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ بقليل، دون آبائهم، أي: بعد النسخ والتبديل، وقد نهى الله ـ عزّ وجلّ ـ بعد البعثة عن إكراههم على الإسلام، وأقرّهم بالجزية.
؟ الثاني: أنّ كون الرجل مسلماً، أو يهوديّاً، أو نصرانيّاً، ونحو ذلك من أسماء الدين، هو حكم يتعلّق بنفسه.. لا يلحقه هذا الاسم بمجرّد اتّصاف آبائه بذلك ـ يستثنى من ذلك: الصغير، فإنّ حكمه حكم أبويه حتّى يبلغ ـ فمن كان مشركاً، فحكمه حكم أهل الشرك، وإن كان أبواه غير مشركين. ومن كان أبواه مشركين وهو مسلم، فحكمه حكم المسلمين لا حكم المشركين. وكذلك من كان يهوديّاً، أو نصرانيّاً، وآباؤه مشركين، فحكمه حكم اليهود، والنصارى.
؟ الثالث: أنّ قوله تعالى: ﴿.. وقل للذين أوتوا الكتب والأمين ءأسلمتم..﴾[آل عمران: ٢٠]، وقوله: ﴿لم يكن الذين كفروا من أهل الكتب والمشركين.. ﴾[البيّنة: ١]، وأمثال ذلك، خطاب للموجودين في زمن النبيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ وإخبار عنهم. والمراد بالكتاب: الكتاب الذي بأيديهم، الذي طالته يد التحريف والتبديل، وجرى عليه النسخ. ليس المراد من كان متمسّكاً به قبل النسخ والتبديل، فإنّ أولئك لم يكونوا كفّاراً، ولم يخاطبوا بشرائع القرآن أصلاً، فإنّهم قد ماتوا قبل نزول القرآن. وإذا كان ذلك كذلك؛ فكلّ من تمسّك بهذا الكتاب المبدّل، فهو من أهل الكتاب، وهم كفّار تمسّكوا بكتاب مبدّل منسوخ، ومع ذلك، شرع الله إقرارهم بالجزية، وأحلّ طعامهم ونساءهم.