أحدها: أنّ الشرك المطلق في القرآن لا يدخل فيه أهل الكتاب، وإنّما يدخلون في الشرك المقيّد، قال تعالى: ﴿ لم يكن الذين كفروا من أهل الكتب والمشركين.. ﴾[البيّنة: ١]، فجعل المشركين قسماً غير أهل الكتاب. وقال تعالى: ﴿ إنّ الذين ءامنوا والذين هادوا والصبئين والنصارى والمجوس والذين أشركوا.. ﴾[الحجّ: ١٧]، فجعلهم قسماً غيرهم. فأمّا دخولهم في المقيّد، ففي قوله تعالى: ﴿اتّخذوا أحبارهم ورهبنهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلا ليعبدوا إلهاً واحداً لا إله إلا هو سبحنه عمّا يشركون ﴾[التوبة: ٣١]، فوصفهم بأنّهم مشركون. وسبب هذا: أنّ أصل دينهم الذي أنزل الله به الكتب، وأرسل به الرسل، ليس فيه شرك، كما قال تعالى: ﴿ وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنّه لا إله إلا أنا فاعبدون ﴾[الأنبياء: ٢٥]، وقال تعالى: ﴿ وسل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن ءالهة يُعبدون ﴾[الزخرف: ٤٥]، وقال: ﴿ ولقد بعثنا في كلّ أمّة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطغوت.. ﴾[النحل: ٣٦]، ولكنّهم بدّلوا، وغيّروا، فابتدعوا من الشرك ما لم ينزّل به سلطاناً، فصار فيهم شرك باعتبار ما ابتدعوا، لا باعتبار أصل الدين.
وقوله تعالى: ﴿.. ولا تمسكوا بعصم الكوافر.. ﴾ هو تعريف الكوافر المعروفات، اللاتي كنّ في عصم المسلمين، وأولئك كنّ مشركات لا كتابيّات، من أهل مكّة ونحوها.


الصفحة التالية
Icon