٣. ما أخرجه الطبريّ بسنده، عن ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ قال: " نهى رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ عن أصناف النساء، إلا ما كان من المؤمنات المهاجرات، وحرّم كلّ ذات دين غير الإسلام. وقال الله ـ تعالى ذكره ـ: ﴿ ومن يكفر بالإيمن فقد حبط عمله.. ﴾[المائدة: ٥]. وقد نكح طلحة بن عبيد الله: يهوديّة، ونكح حذيفة بن اليمان: نصرانيّة، فغضب عمر بن الخطّاب غضباً شديداً، حتّى همّ بأن يسطو عليهما، فقالا: نحن نطلّق يا أمير المؤمنين، ولا تغضب. فقال: لئن حلّ طلاقهنّ، لقد حلّ نكاحهنّ، ولكن أنتزعهنّ منكم صغرة قماءً "(١)أي: على سبيل الإكراه والصغار(٢).
وأجابوا عن آية المائدة، بأنّها منسوخة بآية البقرة. أو بأنّ المراد بالمحصنات من الذين أوتوا الكتاب: اللاتي كنّ كتابيّات فأسلمن، كما قال تعالى في آية أخرى: ﴿ وإنّ من
أهل الكتب لمن يؤمن بالله.. ﴾[آل عمران: ١٩٩].
والقول الأوّل هو الراجح لوجهين:
؟ أحدهما: أنّ هذا القول هو الذي دلّ عليه صريح القرآن، كما في آية المائدة. وسورة المائدة من آخر ما نزل من القرآن، ولم ينسخ منها شيء، كما صحّ ذلك عن عائشة وغيرها.
؟ الثاني: إجماع الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ إلا شيئاً روي عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ، وهو أقرب إلى التوقّف منه إلى التحريم ـ كما سيأتي ـ بل القول بالإباحة هو قول جمهور السلف والخلف.
ويجاب عن أدلّة المانعين بما يلي:
؟ أوّلاً: قوله تعالى: ﴿ ولا تنكحوا المشركات.. ﴾ عامّ مخصوص بآية المائدة، فإنّ سورة البقرة من أوائل ما نزل بالمدينة(٣)،
(٢) ينظر: لسان العرب: ٥/ ٣٧٣٣، مادّة: ( قمأ ).
(٣) ينظر: فتح الباري: ٨/ ١٦٠، وذكر اتّفاق العلماء على أنّها أوّل ما نزل بالمدينة. وأنكر ذلك السيوطيّ في
الاتقان: ١/ ٣٣، وقال: " في دعوى الاتّفاق نظر ". لكنّهم جميعاً متّفقون على أنّها من أوائل ما نزل بالمدينة.