وسورة المائدة من أواخر ما نزل من القرآن، والقول بأنّ آية البقرة نسخت آية المائدة لا يصحّ، إذ كيف يكون المتقدّم ناسخاً للمتأخّر(١). هذا مع تعذّر الجمع، فكيف مع إمكانه بأن تكون آية المائدة مخصّصة لآية البقرة. وذلك أنّ لفظ الشرك إذا أطلق، دخل فيه أهل الكتاب، كما في قوله تعالى: ﴿.. إنّما المشركون نجس.. ﴾[التوبة: ٢٨]. وإذا اقترن بأهل الكتاب، كانا صنفين مختلفين، كما في قوله تعالى: ﴿ ما يودّ الذين كفروا من أهل الكتب ولا المشركين.. ﴾[البقرة: ١٠٥]، وقوله: ﴿ لم يكن الذين كفروا من أهل الكتب والمشركين.. ﴾[البيّنة: ١]، وذلك أنّ اللفظ الواحد ـ كما ذكر الشيخ ـ تتنوّع دلالته بالإفراد والاقتران، فيدخل فيه مع الإفراد والتجريد، ما لا يدخل فيه عند الاقتران(٢).. فآية البقرة عامّة في جميع المشركين، ومنهم أهل الكتاب، فجاءت آية المائدة فخصّت أهل الكتاب من العموم.
وكذلك قوله تعالى: ﴿ ولا تمسكوا بعصم الكوافر.. ﴾[الممتحنة: ١٠]، فإنّه عام مخصوص بآية المائدة. ويدلّ على ذلك سبب النزول، فإنّها نزلت في خصوص النساء المشركات الوثنيّات بمكّة، ممّن أبين الهجرة، واخترن الشرك على الإسلام، فأمر الله المؤمنين بمفارقتهنّ، وأباح لهم نكاح المؤمنات المهاجرات، وإن كنّ ذوات أزواج من المشركين، فإنّ الإسلام قد فرّق بينهم.
؟ ثانياً: قول ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ: " لا أعلم من الإشراك شيئاً أكبر من أن تقول المرأة: ربّها عيسى.." هو ممّا انفرد به دون سائر الصحابة ـ رضي الله عنهم جميعاً ـ، وقد تزوّج كثير من الصحابة من نساء أهل الكتاب، كعثمان، وحذيفة، وطلحة، وغيرهم.

(١) ينظر: الناسخ والمنسوخ للنحّاس ( الكويت: مكتبة الفلاح ): ١/ ١٩٧.
(٢) ينظر: مجموع الفتاوى: ١٤/ ٤٥٥، ودقائق التفسير: ٢/ ٦٨.


الصفحة التالية
Icon