قال النحّاس ـ رحمه الله ـ بعد ذكره قول ابن عمر: " وهذا قول خارج عن قول الجماعة الذين تقوم بهم الحجّة، لأنّه قد قال بتحليل نكاح نساء أهل الكتاب من الصحابة والتابعين جماعة، منهم: عثمان، وطلحة، وابن عبّاس، وجابر، وحذيفة. ومن التابعين: سعيد بن المسيّب، وسعيد بن جبير، والحسن، ومجاهد، وطاوس، وعكرمة، والشعبيّ، والضحّاك. وفقهاء الأمصار عليه "(١).
وقد نقل ابن قدامة وغيره، عن ابن المنذر ـ رحمه الله ـ أنّه قال: " ولا يصحّ عن أحد من الأوائل أنّه حرّم ذلك.. "(٢)، وما صحّ عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ في ذلك، هو أقرب إلى التوقّف منه إلى التحريم، تورّعاً منه رضي الله عنه.
قال النحّاس ـ رحمه الله ـ: " وأمّا حديث ابن عمر، فلا حجّة فيه، لأنّ ابن عمر ـ رحمه الله ـ كان رجلاً متوقّفاً، فلمّا سمع الآيتين؛ في واحدة: التحليل، وفي الأخرى: التحريم، ولم يبلغه النسخ، توقّف. ولم يؤخذ عنه ذكر النسخ، وإنّما تؤوّل عليه، وليس يؤخذ الناسخ والمنسوخ بالتأويل "(٣).
أمّا ما روي عن ابن عبّاس ـ رضي الله عنهما ـ من نهيه ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ عن أصناف النساء، إلا ما كان من المؤمنات المهاجرات. وغضب عمر على طلحة وحذيفة.. فإنّ ذلك لم يصحّ عن ابن عبّاس، ولذا قال ابن كثير ـ رحمه الله ـ بعد إيراده: " حديث غريب جداً، وهذا الأثر غريب عن عمر أيضاً "(٤). والذي صحّ عن عمر ـ رضي الله عنه ـ: كراهيته لذلك دون التحريم، فقد أخرج الطبريّ بسنده عنه أنّه قال: " المسلم يتزوّج النصرانيّة، ولا يتزوّج النصرانيّ المسلمة "(٥).
(٢) ذكره ابن قدامة في المغني: ٩/ ٥٤٥.
(٣) الناسخ والمنسوخ: ١/١٩٧.
(٤) تفسير القرآن العظيم: ١/ ٢٥٧.
(٥) جامع البيان: ٢/ ٣٩٠.