وأخرج الطبريّ أيضاً بسنده، أنّ حذيفة ـ رضي الله عنه ـ لمّا تزوّج يهوديّة، كتب إليه عمر أن: خلّ سبيلها. فكتب إليه: أتزعم أنّها حرام فأخلّي سبيلها؟. فقال: لا أزعم أنّها حرام، ولكن أخاف أن تعاطوا المومسات منهنّ "(١). فبيّن ـ رضي الله عنه ـ أنّه إنّما كره ذلك خشية تعاطي المومسات، لا لكونه يرى التحريم.
أمّا حمل آية المائدة على من أسلم من نساء أهل الكتاب، فهو قول في غاية الضعف، وذلك لوجوه:
o أحدها: أنّ لفظ ( الذين أوتوا الكتاب ) إذا أطلق في كتاب الله، فإنّما يراد به: اليهود والنصارى، دون المسلمين، ودون سائر الكفرة من الوثنيين وغيرهم. فإذا أريد به من أسلم منهم، قيّد بذكر الإيمان، كما في قوله تعالى: ﴿ وإنّ
من أهل الكتب لمن يؤمن بالله.. ﴾
[آل عمران: ١٩٩].
o الثاني: أنّ ذكر المحصنات المؤمنات قبل ذلك، يدلّ على أنّ المراد بقوله: ﴿.. والمحصنت من الذين أوتوا الكتب.. ﴾: اللاتي بقين على دينهنّ، وإلا لكان تكراراً ينزّه عنه كلام الله ـ تعالى ـ، إذ إنّ اللاتي أسلمن من نساء أهل الكتاب، قد دخلن في عداد المحصنات من المؤمنات، السابق ذكرهنّ.
o الثالث: أنّ ذلك مخالف لظاهر الآية، والأصل: إجراء الآية على ظاهرها، ما لم يدلّ دليل على خلاف ذلك، ولا دليل.
o الرابع: أنّه من المعلوم، أنّ الله ـ تعالى ـ لم يُرد بقوله: ﴿ وطعام الذين أوتوا الكتب.. ﴾: طعام الذين أسلموا منهم، وإنّما أراد: طعام اليهود والنصارى خاصّة، فكذلك قوله: ﴿ والمحصنت من الذين أوتوا الكتب.. ﴾، أراد به الكتابيّات دون المؤمنات(٢).
المسألة الثانيّة: المراد بالمحصنات:

(١) السابق: الموضع نفسه.
(٢) ينظر: أحكام القرآن للجصّاص: ٢/ ٣٢٥، ٣٢٦.


الصفحة التالية
Icon