سمع من شيوخ عدّة، بلغوا أزيد من المئتين كما ذكر ذلك تلميذه ابن عبد الهادي ـ رحمه الله ـ(١). كان أوّلهم: زين الدين أحمد بن عبد الدائم، ثمّ ابن أبي اليسر، والكمال بن عبد، وابن الصيرفي، وابن علاّن، وغيرهم كثير.
وأمّا تلاميذه فكثر، من أبرزهم: الإمام ابن القيّم، والحافظ الذهبيّ، والحافظ ابن كثير (صاحب التفسير )، والحافظ المزّيّ، وابن عبد الهادي، وابن الزملكاني، وابن سيّد الناس اليعمريّ، وعلم الدين البرزاليّ، وصلاح الدين الكتبيّ، وغيرهم ـ عليهم جميعاً رحمة الله ـ.
تعلّم الخطّ والحساب، وحفظ القرآن، وأقبل على الفقه فبرع فيه، وقرأ في العربيّة، وفي كتاب سيبويه حتّى فهمه واستدرك عليه، وبرع في النحو، وأقبل على التفسير إقبالاً كلّيّاً حتّى حاز فيه قصب السبق، وأحكم أصول الفقه، وغير ذلك من العلوم.
وكان يحضر المدارس والمحافل في صغره؛ فيتكلّم، ويناظر، ويفحم الكبار، ويأتي بما يتحيّر منه أعيان البلد في العلم، حتّى قيل إنّه أفتى وهو في السابعة عشرة من عمره، وشرع في الجمع
والتأليف من ذلك الوقت.
وكان والده من كبار الحنابلة، ومن أئمّتهم، فلمّا مات تولّى التدريس بعده وله إحدى وعشرون سنة.
وكان ـ رحمه الله ـ سيفاً مسلولاً على المخالفين، وشجىً في حلوق أهل الأهواء والمبتدعين، آمراً بالمعروف، ناهياً عن المنكر، ناصراً الدين، غير هيّاب ولا وجل.
قال الحافظ المزّيّ ـ رحمه الله ـ: " ما رأيت مثله، ولا رأى هو مثل نفسه. وما رأيت أحداً أعلم بكتاب الله وسنّة رسوله، ولا أتبع لهما منه ".
وقال ابن الزملكانيّ ـ رحمه الله ـ: " كان إذا سئل عن فنّ من العلم، ظنّ الرائي والسامع أنّه لا يعرف غير ذلك الفنّ، وحكم أنّ أحداً لا يعرف مثله. وكان الفقهاء من سائر الطوائف إذا جلسوا معه استفادوا في مذاهبهم منه ما لم يكونوا عرفوه قبل ذلك ".