وقد أثنى عليه خلق كثير من شيوخه، ومن كبار علماء عصره، حتّى من شانئيه، ومن أحسن ذلك ما قاله ابن سيّد الناس في أجوبته عن سؤالات ابن أيبك الدمياطيّ(١)، فإنّه قال ـ بعد ثنائه على المزّيّ ـ: " وهو الذي حداني على رؤية الشيخ الإمام شيخ الإسلام: تقيّ الدين أبي العبّاس أحمد بن عبد الحليم بن تيميّة، فألفيته مّمن أدرك من العلم حظّاً، وكاد يستوعب السنن والآثار حفظاً. إن تكلّم في التفسير فهو حامل رايته، أو أتى في الفقه؛ فهو مدرك غايته، أو ذاكر بالحديث؛ فهو صاحب علمه وذو روايته، أو حاضر بالنِّحل والملل؛ لم يُر أوسع من نِحلته في ذلك، ولا أرفع من درايته. برز في كلّ فنّ على أبناء جنسه، ولم تَر عينُ مَنْ رآه مثله، ولا رأت عينُه مثل نفسه. كان يتكلّم في التفسير؛ فيحضر مجلسه الجمّ الغفير، ويردون من بحر علمه العذب النمير، ويرتعون من ربيع فضله في روضة وغدير، إلى أن دبّ إليه من أهل بلده داء الحسد، وأكبّ أهل النظر منهم على ما يُنتقد عليه في حنبليّته من أمور المعتقد، فحفظوا عنه في ذلك كلاماً؛ أوسعوه بسببه ملاماً، وفوّقوا لتبديعه سهاماً، وزعموا أنّه خالف طرقتهم، وفرّق فريقهم، فنازعهم ونازعوه، وقاطع بعضهم وقاطعوه.. " إلى آخر ما ذكر.
وقال الحافظ الذهبيّ ـ رحمه الله ـ في تذكرة الحفّاظ: " وكان من بحور العلم، ومن الأذكياء المعدودين، والزهّاد الأفراد، والشجعان الكبار، والكرماء الأجواد. أثنى عليه الموافق والمخالف، وسارت بتصانيفه الركبان، لعلّها ثلاث مئة مجلّد ".
وقال ابن دقيق العيد ـ رحمه الله ـ: " لمّا اجتمعت بابن تيميّة، رأيت رجلاً كلّ العلوم بين عينيه، يأخذ ما يريد، ويدع ما يريد ".