ومنها: حسد الأقران، وترك مداجاة السلطان، ولعلّها اجتمعت جميعاً، فكانت سبباً لما حصل للشيخ من المحنة والبلاء، هذا مع اعتراف الجميع بعلمه وفضله وعلوّ منزلته. والكلام عما حصل له من المحن يطول، وقد فصّل ذلك الحافظ ابن كثير ـ رحمه الله ـ في البداية والنهاية، وذكر الأحداث في أعوامها التي حدثت فيها أوّلاً بأوّل(١).
وقد لخّصها الحافظ الذهبيّ ـ رحمه الله ـ بقوله: " وقد امتحن وأوذي مرّات، وحُبس بقلعة مصر، والقاهرة، والاسكندريّة، وبقلعة دمشق مرّتين، وبها توفي ".
ولقد صدقت فراسة أصحاب الشيخ فيه، فها هو الشيخ أحمد بن مرّي الحنبليّ يقول في رسالة وجّهها إلى تلاميذ الشيخ: " فلا تيأسوا من قبول القلوب القريبة والبعيدة لكلام شيخنا، فإنّه ـ ولله الحمد ـ مقبول طوعاً وكرهاً. وأين غايات قبول القلوب السليمة لكلماته، وتتبّع الهمم النافذة لمباحثه وترجيحاته. ووالله ـ إن شاء الله ـ ليقيمنّ الله سبحانه لنصر هذا الكلام ونشره وتدوينه وتفهّمه، واستخراج مقاصده، واستحسان عجائبه وغرائبه، رجالاً هم إلى الآن في أصلاب آبائهم، وهذه هي سنّة الله الجارية في عباده وبلاده.. ".
وقد صدق ـ رحمه الله ـ وهل نحن إلا من هؤلاء الذين ذكر، لا سيما قوله: " وتتبّع الهمم النافذة لمباحثه وترجيحاته ".

(١) وقد استلّها المنجد من البداية والنهاية، ونشرها في كتابه شيخ الإسلام ابن تيميّة؛ سيرته وأخباره عند المؤرّخين (بيروت: دار الكتاب الجديد ): ص ٨٤- ١٢٣. وينظر أيضاً: الجامع لسيرة شيخ الإسلام: ص٤٠٤- ٤٤٨.


الصفحة التالية
Icon