أجمع كلّ من كتب في سيرة الشيخ ـ رحمه الله ـ بأنّه كان إماماً في التفسير لا يُشقّ له غبار، فإذا تُكلّم في التفسير ـ كما يقول ابن سيّد الناس ـ فهو حامل رايته(١)، فجهوده في التفسير مذكورة ومشهورة، ومشكورة غير منكورة، وهي تتلخّص فيما يلي:
١. إلقاء الدروس في التفسير مشافهة:
وكان ذلك مبتدا أمره بعد وفاة والده، وكان له آنذاك إحدى وعشرين سنة، فقام مقام والده في التدريس، وحضر عنده جمع من القضاة والمشايخ، وألقى درساً في البسملة ـ وهو مشهور بين الناس ـ فعظّمه الحاضرون، وأثنوا عليه ثناءً كثيراً(٢).
ثمّ تلا ذلك جلوسه بالجامع أيّام الجمع لتفسير القرآن العظيم من حفظه، فكان يورد ما يقوله من غير توقّف، ولا تلعثم، وبصوت جهوريّ فصيح(٣).
قال الحافظ ابن كثير ـ رحمه الله ـ: " ثمّ جلس تقيّ الدين المذكور أيضاً يوم الجمعة، عاشر صفر بالجامع الأمويّ، بعد صلاة الجمعة، على منبر قد هُيّيء له لتفسير القرآن
العزيز، فابتدأ من أوّله في تفسيره، وكان يجتمع عنده الخلق الكثير، والجمّ الغفير. ومن كثرة ما كان يورد من العلوم المتنوّعة المحرّرة، مع الديانة والزهادة والعبادة، سارت بذكره الركبان في سائر الأقاليم والبلدان، واستمرّ على ذلك مدّة سنين متطاولة "(٤).
(٢) ينظر: الذيل على طبقات الحنابلة: ٢/٣٨٨، والمنهج الأحمد في ذكر أصحاب الإمام أحمد لمجير الدين العليمي (بيروت: مؤسّسة الرسالة ): ٥/ ٢٦.
(٣) ينظر: طبقات علماء الحديث: ٤/٢٨٣.
(٤) البداية والنهاية: ١٧/٥٩٣.