وقد ذكر الحافظ الذهبيّ ـ رحمه الله ـ أنّ الشيخ ـ رحمه الله ـ كان آية من آيات الله في التفسير، والتوسّع فيه، وربّما بقي في تفسير الآية الواحدة المجلس والمجلسين(١)، بل ذكر أنّه بقي يفسّر في سورة نوح عدّة سنين، أيّام الجُمَع(٢).
٢. عنايته بالاستنباط:
سبق أنّ الشيخ ـ رحمه الله ـ كان من بحور العلم، ومن الأذكياء المعدودين كما قال الحافظ الذهبيّ وغيره، لكنّه كان من الأذكياء الأزكياء الذين سخّروا ذكاءهم لما فيه نفع الأمّة، ومن ذلك: غوصه في معاني الكتاب العزيز، واستخراجه اللالىء والدرر، من الفوائد والأحكام التي لم يُسبق إليها.
قال تلميذ تلميذه الحافظ ابن رجب ـ رحمه الله ـ: " وبرع في التفسير والقرآن، وغاص في دقيق معانيه، بطبع سيّال، وخاطر إلى مواقع الإشكال ميّال، واستنبط منه أشياء لم يُسبق إليها "(٣).
ومن ذلك ما رجّحه في معنى قوله تعالى: ﴿ يا بني ءآدم قد أنزلنا عليكم لباساً يواري
سوء تكم وريشاً.. ﴾[الأعراف: ٢٦]، فقد رجّح أنّ الإنزال في الآية على ظاهره من ظهور الأنعام، خلافاً لما ذكره المفسّرون من تفسير الإنزال بالخَلق، أو بإنزال أسبابه من المطر ونحوه. وقد عقد الشيخ ـ رحمه الله ـ فصلاً بيّن فيه معنى الإنزال في القرآن(٤).
٣. عنايته بالاختيار والترجيح:
لم يكن الشيخ ـ رحمه الله ـ يقنع بالتقليد، أو يكتفي بترجيح مَنْ قَبله من الأئمّة المتقدّمين، بل كان في غالب تفسيره يعلّل ويدلّل، ويرجّح ما يراه الصواب، أو يختار من الأقوال ما هو أقوى وأصحّ، مستنداً على وجوه عدّة من أوجه الاختيار والترجيح، وهذا هو اللائق بمثله ممّن بلغ رتبة الاجتهاد.
(٢) ينظر: الذيل على طبقات الحنابلة: ٢/٣٨٩.
(٣) السابق: ٢/٣٩٠.
(٤) ينظر: ص ٣٩١ من هذه الرسالة.