هذا؛ ولم يكن الشيخ ـ رحمه الله ـ في كلّ ما سبق ينطلق من فراغ، وإنّما من اطّلاع واسع، مع ذهن وقّاد، وذاكرة فذّة. فقد ذكر ابن رشيّق ـ رحمه الله أنّ الشيخ قال له مرّة: " وقفت على نحو خمسة وعشر(١)تفسيراً مسنداً ".
قال: وقال لي مرّة: " ربّما طالعت على الآية الواحدة نحو مئة تفسير، ثمّ أسأل الله الفهم، وأقول: يا معلّم إبراهيم.. "(٢).
وقال الصفديّ ـ رحمه الله ـ: حكى لي من سمعه يقول: " إنّي وقفت على مئة وعشرين تفسيراً، أستحضر من الجميع الصحيح الذي فيها "، أو كما قال..(٣).
فرحم الله الشيخ، وحشرنا معه في زمرة الأنبياء والمرسلين والشهداء والصالحين.
منهج ابن تيميّة في الاستدلال بالآيات
والاستشهاد بها
وأثر ذلك في الاختيار والترجيح
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
للشيخ ـ رحمه الله ـ منهج فريد في الاستدلال بالآيات والاستشهاد بها، ولعلّ سرّ ذلك ـ والله أعلم ـ ما آتاه الله عزّ وجلّ من سرعة البديهة واستحضار الآيات، وانتزاعها من مظانّها.
يقول الحافظ الذهبيّ ـ رحمه الله ـ(٤): " ما رأيت أحداً أسرع انتزاعاً للآيات الدالّة على المسألة التي يوردها منه، ولا أشدّ استحضاراً لمتون الأحاديث، وعزوها إلى الصحيح، أو المسند، أو السنن، كأنّ ذلك نصب عينيه، وعلى طرف لسانه بعبارة رشقة حلوة، وإفحام للمخالف ".
أمّا منهج الشيخ في الاستدلال والاستشهاد بالآيات، فأبرز سماته ـ بإجمال ـ ما يلي:
١. كثرة الاستشهاد بالآيات
٢. الاستشهاد بأكثر من آية من سور متعدّدة.
٣. الاستشهاد بأكثر من آية من سورة واحدة.
(٢) أسماء مؤلّفات ابن تيميّة ضمن الجامع لسيرة الشيخ: ص٢٨٣. وهذا النص غير موجود في النسخة المطبوعة المنسوبة إلى ابن القيّم.
(٣) الوافي بالوفيّات: ٧/ ١٦.
(٤) نقل ذلك عنه الصفدي في كتابه: الوافي بالوفيّات: ٧/ ١٦. وينظر: الجامع لسيرة الشيخ: ص٣٦٨.