تعارضهما بما يوجب العمل به، وإهمال الآخر "(١).
وقال الجوينيّ(٢): " الترجيح تغليب بعض الأمارات على بعض، في سبيل الظنّ "(٣).
وقيل: " إثبات مزيّة لأحد الدليلين على الآخر "(٤).
فأصل استعمال الترجيح: في الحسّيّات كالأجسام ونحوها، ثمّ استعمل في المعاني على سبيل المجاز استعارة من رجحان الأجسام(٥).
ومن خلال التعريفات السابقة للاختيار والترجيح، يظهر الفرق بينهما من وجوه عدّة:
؟ أحدها: أنّ الاختيار اصطفاء وانتقاء من مجموع تتقارب فيه الوجوه والأوصاف ـ وإنّ لم تتطابق ـ، فيكون لبعضها على بعض عند الناظر مزيّة، تستدعي اختياره وتقديمه، مع بقاء الآخر محتملاً غير مطّرح.
أمّا الترجيح، فهو تغليب طرف على طرف إلى حدّ التضعيف والاطّراح، وهذا ما يدلّ عليه لفظ ( رجّح ) بالتضعيف.
ويقوّي هذا الوجه، الوجه:
؟ الثاني: وهو أنّ أحداً ممّن عرّفوا الترجيح لم يعرّفوه بأنّه الاختيار، ممّا يدلّ على الفرق، وإن كان بعضهم قد عرّف الاختيار بأنّه ترجيح، فكلّ اختيار ترجيح، وليس كلّ ترجيح اختياراً.
(٢) هو أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف بن حيويّة الجويني، برع في جميع العلوم والفنون، وجمع طرق المذهب الشافعيّ، وخاض في علم الكلام وبرز فيه، وفي أصول الفقه، مات سنة: ثمان وسبعين وأربع مئة. ( ينظر: طبقات الشافعيّة الكبرى: ٣/ ٢٤٩، وشذرات الذهب: ٣/ ٣٥٨ ).
(٣) البرهان في أصول الفقه ( المنصورة: دار الوفاء ): ٢/٧٤١. وينظر: المنخول للغزالي ( دمشق: دار الفكر ): ١/٤٢٦.
(٤) الحدود الأنيقة: ١/٨٣، والتعريفات للجرجانيّ ( بيروت: دار الكتب العلميّة ): ص٥٦، ومنتهى الوصول والأمل في علمي الأصول والجدل لابن الحاجب ( بيروت: دار الكتب العلميّة ): ص٢٢٢.
(٥) ينظر: شرح مختصر الروضة للطوفي ( بيروت: مؤسّسة الرسالة ): ٣/٦٧٧، ٦٧٨.