وأمّا ما ذهب إليه الزمخشريّ ومن وافقه، من أنّ المراد اضمحلال كلّ دين باطل، وبقاء دين الإسلام وحده؛ فهو مخالف للحديث السابق، كما أنّه مخالف للسنن الكونية التي أرادها الله ـ عزّ وجلّ ـ من الصراع بين الحقّ والباطل، فلا يخلو عصر من العصور، من وجود مشرك أو كافر، وإنّما أمر الله بقتالهم حال القدرة، حتّى تزول فتنة الشرك والكفر، وحتّى لا يبقى في الأرض إلا مسلم عزيز، أو كافر ذليل، منقاد لدين الله تعالى بدفع الجزية وهو صاغر، مع إخفاء دينه. وقد يتخلّف ذلك لضعف المسلمين، وإعراضهم عن دينهم، كما هو حال المسلمين اليوم.
٨٤ ـ قوله تعالى: ﴿ كدأب ءالِ فرعون َ والذين من قَبلهِم.. ﴾ [الأنفال: ٥٢].
رجّح الشيخ ـ رحمه الله ـ أنّ معنى الدأب في الآية: العادة، وليس الاجتهاد كما ذهب إليه بعض أهل المعاني.
قال الشيخ ـ بعد أن ذكر الآية ـ: " قال ابن قتيبة وغيره: الدأب: العادة. ومعناه: كعادة آل فرعون. يريد: كفر اليهود؛ كلّ فريق بنبيّهم(١). وقال الزجّاج: هو الاجتهاد؛ معناه: أي: دأب هؤلاء، وهو اجتهادهم في كفرهم، وتظاهرهم على النبيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ، كتظاهر آل فرعون على موسى ـ عليه السلام ـ.. ".
ثمّ ذكر الشيخ بعض أقوال السلف، إلى أن قال: " والصواب: ما قاله الجمهور؛ أنّ الدأْب بالتسكين، هو العادة. وهو غير الدأَب بالتحريك.. "(٢).
واحتجّ الشيخ بما يلي:
١. أنّ الذي في القرآن مسكّن، ولم يقرأه أحد بالتحريك(٣).
٢. أنّ هذا هو المعروف في اللغة، يقال: فلان دأبه كذا وكذا، أي: عادته وعمله اللازم له، وإن لم يكن في ذلك تعب واجتهاد.
(٢) النبوّات: ص٣٨٠، ٣٨١.
(٣) ينظر: الحجّة في القراءات السبع: ص١٩٦.