وقد زعم بعض المتأخّرين أنّ حَجّة أبي بكر الصّدّيق ـ رضي الله عنه ـ كانت في ذي الحِجّة، وحُجّته أنّ تحريم النسيء نودي به في تلك الحجّة، فلم يكن في ذلك العام إنساء..(١)وفيما ذكره نظر، لأنّ النسيء إنّما يكون في أوّل السنة، وتحريمه إنّما كان في آخرها بعد وقوعه ويؤيّد ذلك ما ذكره محمّد بن إسحاق في السيرة، قال: سألت ابن أبي نجيح(٢)عن قول رسول الله ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ، فقال: كانت قريش يدخلون في كلّ سنة شهراً، وإنّما كانوا يوافقون ذا الحجّة كلّ اثنتي عشرة سنة مرّة، فوفّق الله ـ عزّ وجلّ ـ لرسوله ـ صلّى الله عليه وسلّم في حجّته التي حجّ ذا الحجّة، فحجّ فيها، فقال: " إنّ الزمان استدار كهيئته يوم خلق السموات والأرض.. "(٣). فقلت لأبي نجيح: فكيف بحجّة أبي بكر، وعتّاب بن أسيد(٤)؟ فقال: على ما كان الناس يحجّون عليه.
وسيأتي الكلام عن النسيء وكيفيته في موضعه إن شاء الله تعالى.
٨٩ ـ قوله تعالى: ﴿ إلاّ الذين َ عهدتم من المشركين.. ﴾[التوبة: ٤].
(٢) هو عبد الله بن أبي نجيح الثقفي، المكيّ، أبو يسار. من التابعين، إمام، ثقة، مفسّر. حدّث عن مجاهد، وطاوس. حدّث عنه: شعبة، والثوري. قيل إنّه كان يرى القدر، مات سنة: إحدى وثلاثين، ومئة. ( ينظر: ميزان الاعتدال: ٤/ ٢١٥، وتهذيب الكمال للمزّي ( بيروت: مؤسسة الرسالة ): ١٦/ ٢١٥ ).
(٣) سيأتي تخريجه ص ٥٠٧.
(٤) هو الصحابي الجليل عتّاب بن أَسيد بن أبي العيص بن أميّة بن عبد شمس الأمويّ، أبو عبد الرحمن. أسلم يوم الفتح، واستعمله النبيّ ـ صلّى الله عليه وسلّم ـ على مكّة لمّا سار إلى حنين، وحجّ بالناس سنة الفتح، مات في آخر خلافة عمر ـ رضي الله عنه. ( ينظر: الإصابة مع الاستيعاب: ٢/ ٤٤٤، ٣/ ١٥٣ ).