رجّح الشيخ ـ رحمه الله ـ أنّ الاستثناء في هذه الآية متّصل، وهو عائد إلى أوّل السورة، وليس إلى ما قبله، وهو قوله: ﴿فسيحوا في الأرض أربعة أشهر.. ﴾[التوبة: ٢].
وقد ذكر الشيخ أنّ قول من قال إنّ " انصراف الاستثناء إلى الذين يليهم الاستثناء، مقطوع به: ممنوع، بل يجوز أن يعود الاستثناء إلى الجملة الأولى فقط إذا دلّ على ذلك دليل، ويجوز للمتكلّم أن ينوي ذلك ويقصده، وإن كان حالفاً مظلوماً، فإنّه لو قال: قاتلْ أهل الكتاب، وعادِهم، وأبغضهم، إلا أن يعطوا الجزية، كان الاستثناء عائداً إلى الجملة الأولى فقط. وقد قال ـ سبحانه ـ: ﴿ لا يتّخذ المؤمنون الكفرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شي ء إلا أن تتّقوا منهم تقة.. ﴾[آل عمران: ٢٨]، وهذا الاستثناء في الظاهر عائد إلى الجملة الأولى، وقال ـ سبحانه ـ: ﴿ براءة من الله ورسوله إلى الذين عهدتم من المشركين* فسيحوا في الأرض أربعة أشهر..﴾إلى قوله:﴿ إلا الذين عهدتم من المشركين ثمّ لم ينقصوكم شيئاً ولم يظهروا عليكم أحداً فأتمّوا إليهم عهدهم إلى مدّتهم.. ﴾[ التوبة: ١ ـ ٤]، وليس هذا مستثنى ممّا يليه؛ بل من أوّل الكلام "(١).
الدراسة، والترجيح:
وافق الشيخ فيما ذهب إليه: الفرّاء(٢)، والزجّاج(٣)، والبغويّ(٤).
وذهب طائفة من المفسّرين إلى أنّ الاستثناء إنّما هو ممّا قبله، وهو قوله تعالى: ﴿ فسيحوا في الأرض أربعة أشهر.. ﴾. وممّن ذهب إلى ذلك: الزمخشريّ(٥)، والنسفيّ(٦).
(٢) ينظر: روح المعاني: ١٠/ ٤٨.
(٣) ينظر: معاني القرآن: ٢/ ٤٧٥.
(٤) ينظر: معالم التنزيل: ٤/ ١٢.
(٥) ينظر: الكشّاف: ٢/ ١٣٩.
(٦) ينظر: مدارك التنزيل: ٢/ ٧٨. ومن المتأخّرين: ابن كثير: ٢/ ٣٣٥، وأبو السعود: ٤/ ٤٢، والقاسميّ: ٨/ ٣٠٧١.